ما الذي تبقى من اتفاق كامب ديفيد بعد ثلاثين عاماً
الجمل: نشرت المواقع الإلكترونية التابعة لمراكز دراسات اللوبي الإسرائيلي، العديد من الأوراق التي تحاول التدقيق في معطيات خبرة الثلاثين عاماً الماضية التي تفصل بين يوم 26 آذار 2009 ويوم 26 آذار 1979 وهو اليوم الذي نقلت فيه شاشات التلفزة مشهد الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات والرئيس الإسرائيلي السابق مناحيم بيجن، في منتجع كامب ديفيد وهما يوقعان على اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية التي أخرجت مصر من مسرح الصراع العربي – الإسرائيلي بما جعل القاهرة تأخذ مكانها ضمن تجمع العواصم الحليفة لأمريكا والموالية للغرب.
* اهتمام اللوبي الإسرائيلي: أبرز ردود الأفعال:
برغم التوقيع على الاتفاقية وتأييد واشنطن الكبير لها فقد ظلت اتفاقية كامب ديفيد مصدراً للتناحر بين الإسرائيليين وأيضاً بين أطراف وعناصر اللوبي الإسرائيلي المنتشرة في أمريكا وبلدان غرب أوروبا.
• داخل إسرائيل وجدت اتفاقية كامب ديفيد معارضة متزايدة من المتشددين الإسرائيليين وعلى وجه الخصوص عناصر المؤسسة الدينية وتزايدت معارضة وسخط المتشددين اليهود إلى حد قيام أحد المتطرفين الإسرائيليين باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين.
• سعت المنظمات وعناصر اللوبي الإسرائيلي إلى تأييد الاتفاقية ولكن لاحقاً وتحديداً خلال فترة صعود المذهبية الليكودية وانحدار المذهبية الصهيونية بدا واضحاً أن تزايد النزعة الليكودية العدائية قد ترتب عليه تزايد الرفض داخل وخارج إسرائيل ليس لاتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية ولا لاتفاقية السلام الأردنية – الإسرائيلية ولا لاتفاقية أوسلو الفلسطينية – الإسرائيلية فحسب، وإنما للاتفاق مع العرب من حيث المبدأ وفي هذا الخصوص صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إرييل شارون بأن الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل مع العرب لا تساوي شيئاً بالنسبة للإسرائيليين!
• داخل مصر، وبرغم المواكب والمسيرات التي حاولت حشد الزخم الشعبي تأييداً للاتفاقية فقد تزايدت الانتقادات والمعارضة للاتفاقية وذلك بما وصل إلى مرحلة قيام المعارضين للاتفاقية باغتيال الرئيس المصري أنور السادات عقاباً له عن التوقيع على الاتفاقية وحالياً برغم مساعي دبلوماسية القاهرة فإن محاولات تجميل وجه الاتفاقية باءت جميعها بالفشل لسبب بسيط يتمثل في أن الأداء السلوكي السياسي – الدبلوماسي الإسرائيلي قد استخدام بنود الاتفاقية للقيام بعملية ابتزاز سياسي – اقتصادي – دبلوماسي – اجتماعي واسعة النطاق مع مصر.
• في البلدان العربية ومنذ البداية كانت الشعوب العربية ضد اتفاقية كامب ديفيد ووقفت معظم الحكومات العربية إلى جانبها بما أدى إلى عزل القاهرة وقيام العرب بتحويل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس.
أحدثت اتفاقية كامب ديفيد حركة استقطاب واسعة في المنطقة العربية وما هو مثير للسخرية أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل الطرف الضامن والراعي لاتفاقية كامب ديفيد، ظلت تقف من جهة مع الأطراف العربية التي تؤيد كامب ديفيد، ومن الجهة الأخرى مع الأطراف الإسرائيلية الساعية ليس إلى تقويض الاتفاقية وحسب وإنما استبدال مذهبية الأرض مقابل السلام التي شكلت خلفية اتفاقية كامب ديفيد بمذهبية السلام مقابل السلام، التي يفترض المتشددون الإسرائيليون أنها السبيل الوحيد الأكثر فعالية لتملص إسرائيل من كافة التزاماتها التي سبق أن وقعت عليها وكذلك لإعطاء إسرائيل الحق في عدم القيام بالدخول في أي التزامات جديدة إزاء السلام في المنطقة.
* ماذا تقول آخر التسريبات:
تطرقت الدراسات والأوراق البحثية في مراكز دراسات اللوبي الإسرائيلي إلى اتفاقية كامب ديفيد كمدخل لتقويم ملف السلام في الشرق الأوسط وإعادة إنتاج مشروع السلام الإسرائيلي القائم على الحرب.
نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى التابع للوبي الإسرائيلي على موقعه الإلكتروني اليوم ورقة الرصد السياسي رقم 1496 التي أعدها الخبير كينيث شتاين أستاذ العلوم السياسية وتاريخ الشرق الأوسط بجامعة إيموري وأشار في الورقة إلى النقاط الآتية:
• معاهدة السلام التي تم توقيعها بين مصر وإسرائيل في 26 آذار 1979 هي الاتفاقية الرابعة التي يتم التوقيع عليها بين المصريين والإسرائيليين بعد حرب تشرين 1973.
• برغم أن الزعماء والأطراف التي فاوضت ووقعت على اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو قد تغيرت ولم تعد موجودة إضافة إلى تغيير البيئة الإقليمية والدولية بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي، فإن فهم الكيفية التي تم بها توقيع الاتفاقيات والكيفية التي تم بها وضعها موضع التنفيذ ومردود ذلك على المنطقة يساعدنا في الحصول على المزيد من المعرفة والخبرة لجهة الإدراك والتعامل مع المفاوضات المستقبلية.
• التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد قلل من احتمالات اندلاع المواجهات العسكرية العربية – الإسرائيلية الكبيرة الشاملة.
• التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد أدى من جهة إلى إبعاد دور الاتحاد السوفيتي السابق وبقية الأطراف الثالثة عدا أمريكا عن المنطقة ومن الجهة الأخرى تعزيز وتقوية الدور الأمريكي في المنطقة كراعي وضامن للمفاوضات والاتفاقيات.
هذا وبالنسبة لنقاط الضعف التي تزامنت مع الاتفاقية يقول الخبير كينيث شتاين أن إدارة كارتر قد طالبت إسرائيل بالانسحاب إلى حدود 1967 وأفسحت المجال أمام كيسنجر ليقوم بدبلوماسية الخطوة – خطوة بما أدى إلى تمهيد المسرح من أجل التفاوض والتوقيع على الاتفاقية. ولكن خطأ إدارة كارتر تمثل في الآتي:
• عدم الدعوة لعقد مؤتمر دولي يضم كل الأطراف المعنية وعدم التفاهم مع منظمة التحرير الفلس طينية التي كانت رافضة بالأساس الاعتراف بإسرائيل.
• دعوة الاتحاد السوفيتي للمشاركة والقيام بدور بدون أخذ موافقة مصر وإسرائيل أو حتى الكونغرس.
يقول كينيث شتاين بأن مقاربة إدارة كارتر لاتفاقية السلام كانت مقاربة فاشلة وذلك لأنها لم تكن تفهم السياق التاريخي الذي كانت تعمل ضمنه اتفاقية السلام، إضافة لذلك، يقول شتاين أن إدارة كارتر قد وجهت الدعوة للاتحاد السوفيتي في الوقت الذي كانت فيه مصر وإسرائيل غير راغبتين في أي دور سوفيتي في المنطقة.
* الدروس المستفادة إزاء المفاوضات المستقبلية:
أشار الخبير كينيث شتاين إلى أن إدارة أوباما تأخذ حالياً بعين الاعتبار التعامل الجاد لجهة حل الصراع العربي – الإسرائيلي وعلى خلفية ذلك، أشار شتاين إلى أن الدروس المستفادة من معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية في مفاوضات السلام الشرق أوسطية القادمة هي دروس تتمثل في الآتي:
• واقع الخلافات حول الأرض: يقول الإسرائيليون أن إجراء معاهدة سلام مع سوريا والفلسطينيين سيكون أمراً صعباً لأن الأراضي المتنازع عليها مع هذين الطرفين ليست مثل أراضي سيناء وإنما هي أراضي تتميز بقيمتها النفسية والاستراتيجية بالنسبة للإسرائيليين.
• معرفة ما الذي يمكن المساومة حوله: لا يمكن للمفاوضات النجاح في المطلوب إذا لم تكن الأطراف المتفاوضة تعرف ما الذي يمكن أن تتخلى عنه. فالاتفاقيات يمكن أن تحدث ويتم التوصل إليها حصراً عندما تعتقد كل الأطراف أن الوضع القائم يجب أن يتم تغييره وتبديله، وأن الاتفاق سيكون مقيداً لكل الأطراف على المدى الطويل. وبالتالي فمن غير الممكن إجبار الدول أو الزعماء أو القادة إذا كان ناتج المفاوضات لا يخدم المصلحة الوطنية، وتقديم الحوافز يمكن أن يساعد في توليد التعامل ولكنه لا يقدم تعويضاً كافياً لتقديم الالتزامات بإنهاء الصراع.
• التعامل مع وبين الأطراف: بدون مشاركة الأطراف المعنية بالالتزام بالتوصل إلى اتفاق دبلوماسي فإن المفاوضات التي يقودها الطرف الثالث سوف لن تحقق النجاح، وبالتالي فعندما تقوم أمريكا بتقديم خطة بدون المشاورات مع العرب والإسرائيليين فإن ردود الأفعال ستتضمن قدراً كبيراً من عدم الاتفاق. وبما أن كل طرف لا يرغب لا في مفاجأة الطرف الآخر ولا في التعرض للإملاءات الخارجية فإن على الوصفة الأمريكية أن تضع ذلك قيد الاعتبار خاصة وأن معطيات الخبرة تقول أن خطة روجرز 1969 وجهود كارتر المكثفة 1977-1978 وخطة ريغان 1982.. جميعها كان مصيرها الفشل.
• الاستعداد والجاهزية: على الولايات المتحدة أن تكون في حالة الاستعداد والجاهزية متى ما سنحت الفرصة المواتية لتغيير الوضع القائم، وعلى سبيل المثال فقد ظلت إدارة كارتر لا تحرك ساكناً إزاء السادات الذي ظل على مدى أربعة أشهر موافقاً على إجراء المفاوضات المباشرة مع إسرائيل وما الذي كان سيحدث لوا تم اغتيال السادات خلال هذه الفترة؟
• الأهمية الحرجة لمرحلة ما قبل المفاوضات: تتمثل أهمية هذه المرحلة لجهة الاستباق الدبلوماسي بما يؤدي إلى تضييق الخلافات قبل الدخول في المفاوضات وقد كانت اتفاقية كامب ديفيد ناجحة لجهة قيام الدبلوماسيين والمسؤولين الأمريكيين بإنفاق مئات الساعات في العمل وإعداد البرامج ومبادئ الاتفاق وخطوطه الرئيسية.
• توقيت دخول الولايات المتحدة يجب أن يتم عند تضييق الخلافات والتقريب بين مواقف الأطراف وإذا دخل طرف ثالث كتركيا أو فرنسا فإن دخول واشنطن يمكن أن يكون له تأثير معاكس.
• اهتمامات الزعماء المحليين: منظورات ورؤى وقدرة الزعماء المحليين تعتبر أمراً ضرورياً لأنه يتوجب على هؤلاء الزعماء الحصول على الإجماع والتأييد أو حتى توليده إن لم يكن موجوداً إضافة إلى تمتعهم بالقدرة على تقديم التنازلات.
عموماً، برغم أن تقييم الخبير كينيث شتاين قد حاول الظهور بمظهر التقييم العلمي الذي يسعى إلى تقديم معطيات خبرة مفاوضات كامب ديفيد ودور واشنطن التي لعبت دور الطرف الثالث فإن عملية التقويم في حد ذاتها كشفت بوضوح عن محاولة دبلوماسية الطرف الثالث التي تقوم بها واشنطن ضمن مسار الترتيبات الإجرائية التي تتوافق مع مفهوم السلام مقابل السلام الذي تسعى إليه إسرائيل من أجل التأكيد عليه كبديل لمفهوم الأرض مقابل السلام، وعلى سبيل المثال لا الحصر يتمثل ذلك بوضوح في مفهوم أن إدارة كارتر قد أخطأت لأنها لم تكن تفهم السياق الذي تجري فيه المفاوضات وفي مفهوم الدبلوماسية الوقائية الاستباقية الأمريكية الهادفة إلى التقريب بين وجهات النظر إضافة إلى مفهوم أن تدخل أمريكا كطرف ثالث عندما تكون هناك أطراف ثالثة أخرى سيكون غير مجدي.
الخطوط العامة لمذهبية المفاوضات العربية – الإسرائيلية المتوقعة مستقبلاً وكما رسمها وحاول صياغتها كينيث شتاين تقوم على الكثير من المغالطات التي كان من أبرزها أن الأوضاع قد تغيرت دون الإشارة إلى ذلك التغير، وهل تغيرت لمصلحة إسرائيل أم في غير مصلحتها وبالتأكيد فإن كينيث كان يسعى للتلميح أن الأوضاع قد تغيرت لمصلحة إسرائيل متجاهلاً الحقيقة الماثلة القائلة بأن الأوضاع تغيرت في غير مصلحتها خاصة مع وجود الشواهد الميدانية كهزيمة القوات الإسرائيلية في لبنان عام 2006 وعدم تمكنها من القضاء على حركة حماس وعدم قدرة أمريكا السيطرة على العراق وضعف واضمحلال قوة حلفاء أمريكا في القاهرة ورام الله وقوى 14 آذار وصعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي إضافة إلى بروز تحالفات خط دمشق – طهران وخط دمشق – أنقرة إضافة إلى توجهات الاتحاد الأوروبي الجديدة غير المواتية لإسرائيل وهلمجراً..!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد