سورية: حرب الناتو "الإنسانية" التالية (23)
الجمل- طوني كارتالوتشي- ترجمة: مالك سلمان:
نفذت إسرائيل ضربات جوية في سوريا بناء على "شكوك" حول نقل أسلحة كيماوية, في خرق فاضح لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي, وفي انتهاك مباشر لسيادة سوريا. وتزعم صحيفة "الغارديان" في تقريرها المعنون "إسرائيل تقوم بضربة جوية على سوريا":
"هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية هدفاً قريباً من الحدود السورية – اللبنانية بعد عدة أيام من التحذيرات المتواصلة لمسؤولين حكوميين حول مخزون الأسلحة السورية."
وقالت أيضاً:
"حذرت إسرائيل علناً أنها ستقوم بعمل عسكري لمنع أسلحة النظام السوري الكيماوية من الوصول إلى يدي حزب الله في لبنان أو ‘الجهاديين العالميين’ الذين يقاتلون داخل سوريا. ويقال إن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تراقب المنطقة على مدار الساعة بواسطة الأقمار الصناعية لكشف أية قوافل تحمل الأسلحة."
في الواقع, هؤلاء "الجهاديون العالميون" مسلحون وممولون من قبل الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل منذ سنة 2007 على الأقل. وهم, في الواقع, المستفيدون المباشرون من الاعتداء الإسرائيلي الأخير. وبالطبع, بقيت "الشكوك" الإسرائيلية حول "نقل الأسلحة" دون أي تأكيد, لأن الهدف من الهجوم لم يكن منع نقل "الأسلحة الكيماوية" إلى حزب الله في لبنان, بل إثارة نزاع أوسع لا يتعلق بالدفاع عن إسرائيل بل بإنقاذ القوات الإرهابية المتقهقرة التي تقود حرباً بالوكالة داخل سوريا في محاولة تدمير وتخريب الأمة السورية.
إن صمت الأمم المتحدة يصم الآذان. فبينما تحتضن تركيا, بشكل علني, الإرهابيين الأجانب وتعمل على تسليحهم وتمويلهم بالمال الغربي والسعودي والقطري في هجومهم على سوريا المجاورة, فإن أي هجوم سوري على الأراضي التركية سيؤدي إلى تحريك الأمم المتحدة على الفور. وبالمقابل, فقد سُمحَ لتركيا طيلة سنوات بشن هجمات جوية, وحتى غزو بري جزئي, على العراق المجاور لضرب المجموعات الكردية المتهمة بتهديد الأمن التركي. من الواضح أن نفس المعايير المزدوجة قد تم تطبيقها بالنسبة إلى إسرائيل.
إسرائيل والولايات المتحدة والسعودية هي الداعم الرئيسي للقاعدة
يجب أن نتذكر أن المسؤولين الأمريكيين والسعوديين واللبنانيين قد اعترفوا في سنة 2007 أن الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل كانت تسلح وتمول وتنظم هؤلاء "الجهاديين العالميين" المرتبطين مباشرة بالقاعدة بهدف إسقاط الحكومتين السورية والإيرانية.
كتب الصحفي الحائز على جائزة "بوليتزر" سيمور هيرش في مقالته المنشورة في "نيويورك تايمز", "إعادة التوجيه":
"لتدمير إيران, ذات الغالبية الشيعية, قررت إدارة بوش إعادة ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط. ففي لبنان, تعاونت الإدارة مع الحكومة السعودية, السنية, في عمليات سرية تهدف إلى إضعاف حزب الله, المنظمة الشيعية المدعومة من إيران. كما شاركت الولايات المتحدة في عمليات سرية ضد إيران وحليفتها سوريا. وكان أحد نتائج هذه الأنشطة دعم وتعزيز المجموعات المتطرفة السنية التي تعتنق نسخة متطرفة وعنيفة من الإسلام, كما أنها معادية لأمريكا ومتعاطفة مع القاعدة."
وعن إسرائيل, ذكرت المقالة بالتحديد:
"هذا التغيير في السياسة وضع السعودية وإسرائيل في تحالف استراتيجي, حيث أن كلا البلدين يرى إيران بصفتها تهديداً وجودياً. وقد دخل البلدان في مباحثات مباشرة, حيث أصبح السعوديون – الذين يعتقدون أن استقراراً أكيرَ في إسرائيل وفلسطين سوف يضعف إيران في المنطقة – أكثر تورطاً في المفاوضات العربية – الإسرائيلية."
إضافة إلى ذلك, ذكر مسؤولون سعوديون الدورَ الذي يجب أن تلعبه بلادهم بحذر من أجل إخفاء دعمها للطموحات الأمريكية – الإسرائيلية في المنطقة:
"قال السعودي إن بلاده, من وجهة نظرها, تقدم على مجازفة سياسية بالانضمام إلى الولايات المتحدة في مواجهة إيران: فالعرب يرون في بندر رجلاً قريباً جداً من إدارة بوش. وقد قال لي الدبلوماسي السابق: ‘لدينا كابوسان؛ امتلاك إيران للقنبلة وضرب الولايات المتحدة لإيران. أفضل أن يضرب الإسرائيليون الإيرانيين, لكي نتمكن من إلقاء اللوم عليهم. أما إذا قامت أمريكا بذلك, فسوف نتلقى نحن اللوم.’ "
يجب على القراء أن يعرفوا أنه بينما تقوم فرنسا بغزو واحتلال أجزاءَ كبيرة من مالي في أفريقيا, متهمة القطريين بتمويل وتسليح المجموعات المرتبطة بالقاعدة في المنطقة, فإن الفرنسيين والأمريكيين والإسرائيليين يعملون يداً بيد مع القطريين لتمويل وتسليح المجموعات نفسها في سوريا.
في الواقع, تمتلك "مؤسسة بروكينغز" الأمريكية "مركز الدوحة" في قطر, بينما ينظم "مركز صبان" – التابع لمؤسسة "بروكينغز" بإدارة المواطن الأمريكي/ الإسرائيلي حاييم صبان – الاجتماعات ومعظم أعضاء مجلس إدارته مقيمون في الدوحة/قطر. كما لعبت الدوحة دوراً رئيسياً في خلق آخر إنتاج غربي, "الائتلاف السوري", الذي يرأسه معاذ الخطيب, الداعم القوي للقاعدة.
هذه بعض الحقائق التي تكشف عن المؤامرة التي قام سيمور هيرش بتوثيقها في سنة 2007.
كما أتت صحيفة "وول ستريت جورنال", في سنة 2007 أيضاً, على ذكر خطط إدارة بوش في خلق شراكة مع الإخوان المسلمين في سوريا, مع الإشارة إلى أن المجموعة تشكل الإلهام الإيديولوجي للمجموعات الإرهابية بما في ذلك القاعدة نفسها. وقد جاء في المقالة المعنونة "للسيطرة على سوريا, الولايات المتحدة تستكشف إمكانية التحالف مع الإخوان المسلمين":
"في مساء مشبع بالرطوبة في أواخر أيار/مايو, تجمَعَ حوالي 100 شخص من أكبر مجموعة معارضة سورية في المنفى, "جبهة الإنقاذ الوطني", خارج سفارة دمشق هنا للاحتجاج على حكم الرئيس السوري بشار الأسد. وقد أطلق المشاركون هتافات مناهضة للأسد ورفعوا لافتات تقول: ‘غيروا النظام الآن’.
تضم ‘جبهة الإنقاذ الوطنية’ ديمقراطيين ليبراليين وأكراداً وماركسيينَ ومسؤولين سوريين سابقين في محاولة لإسقاط نظام الرئيس الأسد الاستبدادي. لكن هذا الاحتجاج في واشنطن ضمَ أيضاً زوجاً من اللاعبين الغريبين: الحكومة الأمريكية والإخوان المسلمون."
وقد نقلت الصحيفة أيضاً:
"كما التقى دبلوماسيون وسياسيون أمريكيون مع مشرعين من أحزاب مرتبطة بالإخوان المسلمين في الأردن ومصر والعراق في الأشهر الأخيرة للاستئناس بآرائهم حول الإصلاحات الديمقراطية في الشرق الأوسط, تبعاً لمسؤولين أمريكيين. في الشهر الماضي, قامت وحدة الاستخبارات في وزارة الخارجية بتنظيم مؤتمر لخبراءَ شرق أوسطيين لدراسة ميزات التعاون مع الإخوان المسلمين, وخاصة في مصر وسوريا."
تصف المقالة الروابط الإيديولوجية والعملانية بين الإخوان والقاعدة:
"اليوم, العلاقة بين الإخوان والتطرف الإسلامي, وخاصة القاعدة, محور نقاش مستمر. فأسامة بن لادن وقادة آخرون في القاعدة يستشهدون بأعمال المثقف الإخواني الراحل سيد قطب الذي يشكل الملهمَ لهم في حملتهم ضد الغرب والدكتاتوريين العرب. كما أن أعضاء من أذرعة الإخوان المسلمين في مصر وسوريا أخذوا يلعبون أدواراً رئيسية في حركة بن لادن."
ولكن على الرغم من هذا كله, فإن الولايات المتحدة والسعودية وقطر وإسرائيل يتآمرون تتآمر معهم بشكل علني, كما أنها تقوم بتسليح وتمويل هذه المجموعات الإرهابية المتطرفة الطائفية في العالم العربي منذ سنوات, من ليبيا إلى مصر, والآن في سوريا.
إن خوف إسرائيل من حصول هؤلاء الإرهابيين على "أسلحة كيماوية" عبثي. فقد حصلوا سلفاً على هذه الأسلحة من خلال مساعدة الولايات المتحدة والناتو وبريطانيا والسعودية وقطر وحتى إسرائيل في ليبيا في سنة 2011. وفي الحقيقة, يشكل هؤلاء الإرهابيون الليبيون أنفسهم رأس الحربة للمجموعات المتطرفة الأجنبية التي تتدفق إلى سوريا عبر الحدود التركية – السورية.
ماذا يمكن أن تعني الضربة الإسرائيلية
إن التوضيحَ الإسرائيلي للضربة التي قامت بها إسرائيل ضد سوريا غير مقنع, في أفضل حالاته, إذا أخذنا بعين الاعتبار علاقتها الطويلة والموثقة جيداً بتسليح وتمويل نفس "الجهاديين العالميين" الذين تخشى من وقوع الأسلحة الكيماوية في أيديهم. كما أن مخاوفها من حزب الله لا أساس لها – فلو أن السوريين أو الإيرانيين كانوا مهتمين فعلاً بنقل أسلحة كيماوية إلى لبنان, لكان حزب الله قد نقلها, وبوسائلَ مختلفة تماماً عن القوافل المشبوهة التي "تعبر الحدود" ببساطة. فقد أثبت حزب الله سلفاً قدرته على هزيمة العدوان الإسرائيلي بالاعتماد على الأسلحة التقليدية, كما برهن على ذلك خلال صيف 2006.
في الواقع, يشكل الضغط الذي فرضته إسرائيل وشريكها, رئيس الوزراء التركي رسِب تايب إيردوغان, في الشمال جزأ من خطة موثقة لتخفيف الضغط عن المتطرفين المسلحين الممولين من قبل الغرب وإسرائيل والسعودية وقطر والذين يعملون داخل سوريا.
إن "مؤسسة بروكينغز" الأمريكية للسياسة الخارجية المذكورة أعلاه – والتي قامت بوضع الخطط لتغيير النظام في ليبيا, كما في سوريا وإيران أيضاً – قد ذكرت ذلك بشكل محدد في تقريرها المعنون "تقويم خيارات تغيير النظام".
(الصورة: "مؤسسة بروكينغز", مذكرة حول الشرق الأوسط # 21 "تقويم خيارات تغيير النظام" تبين بوضوح أن "مسؤولية الحماية" الإنسانية ليست سوى ذريعة لتغيير النظام الذي تم التخطيط له منذ وقت طويل. العنوان الظاهر في الصورة: "إنقاذ سوريا: تقويم خيارات تغيير النظام", تاريخ آذار/مارس 2012, وضعها كل من: دانييل بايمان, مايكل دوران, كينيث بولاك, و سلمان شيخ.)
تصف "مؤسسة بروكينغز" كيف يمكن للجهود الإسرائيلية في جنوب سوريا, مع نشر تركيا لكميات ضخمة من الأسلحة والمقاتلين على طول حدودها إلى الشمال, أن تؤدي إلى تغيير النظام في سوريا عن طريق العنف:
"إضافة إلى ذلك, تمتلك الاستخبارات الإسرائيلية معرفة كبيرة بسوريا, بما في ذلك الأصول داخل النظام السوري التي يمكن استخدامها لتدمير القاعدة التي يستمد النظام قوته منها والضغط بهدف إزاحة الأسد. كما يمكن لإسرائيل أن تنشر قواتها على, أو قرب, مرتفعات الجولان بحيث تحرف قوات النظام عن مهمتها في قمع المعارضة. إذ يمكن لذلك أن يثيرَ الرعب في نظام الأسد من إمكانية حرب على عدة جبهات, وخاصة إذا كانت تركيا راغبة في فعل الشيء نفسه على حدودها وإذا تمت تغذية المعارضة بكميات كبيرة من الأسلحة والتدريب. ويمكن لهكذا انتشار أن يقنعَ القيادة العسكرية السورية بإسقاط الأسد لكي تحافظ على نفسها. ويقول مؤيدو هذه الخطة إن بمقدور هذا الضغط الإضافي أن يرجحَ الكفة ضد الأسد داخل سوريا, في حال تحالف القوى الأخرى بشكل مناسب." (ص 6, "تقويم خيارات تغيير النظام", "مؤسسة بروكينغز")
من المؤكد أن الضربات الجوية داخل سوريا تتجاوز "الانتشار" وتشير, ربما, إلى مستوى من اليأس في الغرب الذي يبدو أنه اختارَ وَغدَه الرئيسي, إسرائيل, لكي "يتدخل" بشكل إضافي كما قرروا سابقاً بخصوص مهاجمة إيران – وقد تم توثيق ذلك أيضاً من قبل "مؤسسة بروكينغز" في تقرير بعنوان "أي طريق إلى إيران؟".
فيما يتعلق بإيران, ينص تقرير "بروكينغز" "أي طريق إلى إيران؟" بشكل محدد على ما يلي:
"يبدو أن إسرائيل قد خططت بعناية فائقة وأجرت التدريبات على مثل هذه الضربة سلفاً, وربما تكون طائراتها قد تمركزت في أقرب نقطة إلى إيران. وفي هذه الحالة, ربما يكون بمقدور إسرائيل تنفيذ الضربة خلال أسابيع أو حتى أيام, حسب الظروف الجوية والمعلومات الاستخباراتية الضرورية. وفوق ذلك, بما أنه لا حاجة لإسرائيل (ولا اهتمام) في ضمان الدعم الإقليمي للعملية, ربما تشعر القدس أنها ليست بحاجة إلى استفزاز إيراني قبل الهجوم. باختصار, من المحتمل أن تتحرك إسرائيل بسرعة لتنفيذ هذه الضربة في حال أراد القادة الإسرائيليون والأمريكان لها أن تحدث.
"ولكن, كما ذكر في الفصل السابق, فإن الضربات بحد ذاتها ليست سوى بداية هذه السياسة. ومرة أخرى, سوف يعيد الإيرانيون بناءَ مواقعهم النووية. وربما ينتقمون من إسرائيل, ومن المحتمل أن ينتقمون من الولايات المتحدة أيضاً (مما سيخلق ذريعة للضربات الأمريكية الجوية أو لغزو محتمل)." (ص 91, "أي طريق إلى إيران؟", "مؤسسة بروكينغز")
في هذا النص يمكننا أن نشكل فكرة عن خلفية مواقف إسرائيل المتغطرسة وغير العقلانية خلال تاريخها القصير, بالإضافة إلى اعتدائها الصارخ الأخير ضد سوريا الذي أتى دون أي استفزاز. يتمثل دور إسرائيل في لعب دور "الشرير". وبصفتها رأس الحربة للمصالح المالية الغربية, فهي تؤمن "موطأ قدم" لأي من نزاعات الغرب المرغوبة. فمن خلال قصف سوريا, تأمل في إثارة نزاع أوسع – وهو تدخل رغب فيه الغرب وخطط له منذ أن قام بإشعال فتيل العنف في سنة 2011.
بالنسبة إلى سوريا وحلفائها, يجب أن يتمثل الهدف الآن في ردع أية اعتداءات إسرائيلية أخرى وتجنب أي مواجهة على نطاق واسع مهما كلف الأمر. فإذا كانت القوات الإرهابية التي تخوض الحرب بالنيابة عن الناتو ضعيفة كما تبدو – أي أنها عاجزة عن إحراز أية مكاسب تكتيكية أو إستراتيجية, ومشغولة بهجمات إرهابية يائسة – يبقى الأمر مسألة وقت قبل أن تتوقف حملة الناتو. وكما ذكرنا سابقاً, فإن فشلاً من هذا النوع سيكون بداية النهاية بالنسبة إلى الناتو والمصالح الغربية التي كانت تستخدمه كأداة لتحقيق الهيمنة الجيوسياسية.
من المتوقع أن تستمر إسرائيل بالقيام بأعمال يائسة بهدف استفزاز سوريا وإيران, حيث إن قادة إسرائيل يمثلون بشكل مباشر المصالح الرأسمالية في الخارج, وليس الشعب الإسرائيلي أو مصالحه (بما في ذلك السلام أو حتى البقاء). أما بالنسبة إلى الشعب الإسرائيلي, فيجب أن يدرك أن قيادتهم لا تمثلهم ولا تجسد مصالحهم وهي قادرة, وجاهزة, على التضحية بهم وبأموالهم خدمة للمصالح الأجنبية المالية التي تسعى إلى الهيمنة الكونية.
تُرجم عن: ("غلوبل ريسيرتش", 31 كانون الأول 2013)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد