تأثير العامل السوري في توازن الأمن الدولي وتفعيل خط دمشق - بكين
الجمل: كشفت التطورات الجارية في البناء الدولي المعاصر عن مدى حتمية التحولات المضطردة لجهة تعديل الصيغة الجارية لتوازن القوى الدولي وبالمقابل لحراك معادلة التوازن الدولي القائلة بأن قوة أمريكا الدولية أصبحت تشهد المزيد من الهبوط بشكل متزامن مع صعود قوة روسيا والصين، فإن السياسة الخارجية السورية أصبحت مطالبة الآن قبل أي وقت آخر القيام بتبني الحراك الدبلوماسي بما يتقابل مع الحراك الدولي.
* الدبلوماسية السورية: معادلة الأمن الإقليمي والدولي وإشكالية توازن القوى:
ظل الاعتقاد السائد يقول بأن تأثير دبلوماسية سوريا لن تستطيع تجاوز الدائرة الإقليمية المحلية المحددة بدول الجوار الإقليمي السوري: لبنان – العراق – تركيا – الأردن – إسرائيل، وتشير معطيات الخبرة التاريخية إلى أن دبلوماسية سوريا كانت بالفعل تركز على هذه المنطقة مع التركيز على إضافة البلدان العربية باعتبارها تمثل العمق الحيوي لقضايا السياسة الخارجية السورية.
تقع منطقة الشرق الأوسط في أهم منطقة على خارطة العالم وتقع منطقة شرق المتوسط في أهم منطقة في الشرق الأوسط، وتمثل سوريا أهم منطقة في شرق المتوسط. وقد تم الاعتراف بأهمية سوريا الجيو-سياسية الفائقة الهيمنة من خلال حقائق التاريخ والجغرافيا، وتأسيساً على ذلك يمكن الإشارة إلى الآتي:
• تأثير العامل السوري في توازن الأمن الإقليمي: أكدت المعطيات الجارية بأن العامل السوري يلعب دوراً رئيسياً حاسماً لجهة ضبط توازنات الأمن الإقليمي وبتأثير العامل السوري:
- تم التوصل إلى اتفاق الدوحة الذي أدى إلى استقرار الوضع اللبناني المضطرب.
- انهزمت القوات الإسرائيلية في صيف العام 2006م أمام حزب الله.
- تم كسر مفهوم الردع الإسرائيلي الذي كان يعمل على ضبط المنطقة وفقاً لمفهوم نظرية الأمن الإسرائيلي.
- تأكدت الحقائق القائلة بأنه لا استقرار في العراق دون الاستعانة بتأثير العامل السوري ولا عملية سلام إسرائيلي – فلسطيني في غياب فاعلية العامل السوري.
- تأكد فشل محاولات التعامل الإقليمي في المنطقة في غياب تأثير العامل السوري.
هذا، وتشير الحقائق والمعطيات إلى أن وجود سوريا في الموقع الاستراتيجي الحاكم لجهة الربط بين الوحدات السياسية الإقليمية التي تشكل القوام الجيو-سياسي لمنطقة شرق المتوسط لم يؤثر فقط في علاقات الصراع وإنما أيضاً في علاقات التعاون، وبكلمات أخرى، لن تستطيع العلاقات البينية المتعلقة بحركة الأفراد والسلع والخدمات المرور بين دول المنطقة دون تفعيل مساندة تأثير العامل السوري.
• تأثير العامل السوري في توازن الأمن الدولي: قد يقول البعض أنه ليس لسوريا ما تفعله في حلبة الصراع الدولي بين القوى العظمى، ذلك أن هذا الصراع من الصعب على دمشق القيام بأي تأثير فيه خاصة أنه يقوم على خطوط واشنطن – موسكو – باريس – بكين..، ولكن معطيات الخبرة أكدت بأن دمشق، إضافة إلى العديد من العواصم الإقليمية الأخرى تستطيع القيام بدور كبير في توجيه وإعادة توجيه وربما حسم، الصراع، من خلال توظيف قوة وزنها الجيو-سياسي وعلى سبيل المثال لا الحصر:
- تستطيع تركيا التأثير في الصراع الدولي عن طريق توظيف وزنها الجيو-سياسي للسيطرة على مضيق البوسفور والمضائق البحرية المطلة على البلقان.
- تستطيع مصر التأثير في الصراع الدولي عن طريق توظيف وزنها الجيو-سياسي لضبط حركة الملاحة العابرة لقناة السويس.
- تستطيع إندونيسيا التأثير في الصراع الدولي عن طريق توظيف وزنها الجيو-سياسي لضبط حركة الملاحة العابرة لمضيق ملقة الاستراتيجي الذي يربط بين المحيط الهندي والمناطق الآسيوية المطلة على الباسفيك.
- أما دمشق فهي قادرة على التأثير في الصراع الدولي عن طريق توظيف وزنها الجيو-سياسي من أجل ضبط إيقاع الصراع العربي – الإسرائيلي الذي يمثل أحد المكونات الفرعية الهامة التأثير في الصراع الدولي، كما تستطيع سوريا ضبط إيقاعات الحروب اللامتماثلة في لبنان والعراق وجنوب شرق تركيا، كما أنها تتمكن من ضبط إيقاع التفاعلات الإقليمية في المنطقة فلولا سوريا لما استطاعت إيران أن تمارس التأثير على مجريات الصراع اللبناني – الإسرائيلي على النحو الذي عزز قوة إيران في مواجهة أي هجوم عسكري أمريكي. وبكلمات أخرى، إن وجود وفعالية وقوة حزب الله في مواجهة الحدود الإسرائيلية ردعت إسرائيل والولايات المتحدة من القيام بضرب إيران وباعتراف زعماء الحزب أنفسهم فإن تأثير العامل السوري كان حاسماً في صياغة معادلة الردع الإيراني التي استخدمت جنوب لبنان كقوة مضافة لصالحها. وإضافة لذلك، لو لعب العامل السوري تأثيراً داعماً لحزب العمال الكردستاني لما استطاعت حكومة العدالة والتنمية أن تنفذ حملتها العسكرية ضده، ولأدى ذلك بالضرورة إلى انقضاض المؤسسة العسكرية التركية التي سيمثلها الجيش على المؤسسة السياسية التي تمثلها حكومة حزب العدالة والتنمية. وأيضاً، عندما وقعت مصر اتفاقية كامب ديفيد، والأردن اتفاقية وادي عربة، لم تحصل إسرائيل على الأمن ويعود السبب الرئيس إلى سعي محور واشنطن – تل أبيب إلى محاولة تغييب العامل السور ي كعامل فعال في ضبط توازنات الأمن والاستقرار في المنطقة. وتستطيع دمشق تفعيل العامل السوري في كافة الملفات الإقليمية والدولية وبأقل تكاليف ممكنة بما يترتب عليه حصولها على أكبر ما يمكن من المزايا.
* دمشق وتأثير العامل السوري في دبلوماسية الخطوط الثلاثة:
برغم ارتباط واشنطن الوثيق بتل أبيب فقد ظلت تحافظ على إبقاء دمشق بعيداً عن موسكو، وتكشف عند ذلك التحركات الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة، وإضافة لذلك، فقد ظلت الدبلوماسية الأمريكية تعمل عبر علاقات الأطلنطي لجهة إبعاد باريس عن دمشق وذلك عندما نجحت في إقناع باريس بتبني المواجهة مع سوريا وعلى وجه الخصوص توظيف تداعيات الملف اللبناني. وتحاول دبلوماسية خط تل أبيب – واشنطن حالياً ما يلي:
• إبعاد دمشق عن طهران لجهة التأثير سلباً على قوة الردع الإيراني ضد إسرائيل.
• إبعاد أنقرة عن دمشق لجهة التأثير سلباً على احتمالات قيام تحالف إقليمي مصغر يضم سوريا وتركيا تفادياً إلى أن احتمالات قيام أي تحالف تركي - سوري سيترتب عليه بالضرورة اختيار أنقرة لمسار إدماج تركيا ضمن بيئتها الشرق أوسطية، وهو الأمر الذي سيغلق الباب أمام محور تل أبيب – واشنطن في الاستفادة من مزايا العلاقات القائمة على خط أنقرة – واشنطن – تل أبيب.
• إبعاد الرياض عن دمشق لجهة التأثير سلباً على احتمالات بناء القوة العربية لأن دمشق تمثل القوة القومية والرياض تمثل القوة الاقتصادية وتحالف الرياض مع دمشق سيترتب عليه إدماج ملف القوة القومية مع ملف القوة الاقتصادية وهو أمر سيترتب عليه حدوث تغيير شامل كمي – نوعي في توازن معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي.
الخطوط الثلاثة التي أشرنا إليها هي خط دمشق – موسكو، دمشق – بكين، دمشق – واشنطن وتفعيل دبلوماسية هذه الخطوط الثلاثة سيتيح المزيد من المزايا النسبية الإيجابية لجهة تفعيل دور دمشق في ضبط التوازنات الإقليمية وتداعيات التوازنات الدولية عليها:
• ترغب موسكو في توسيع نفوذها بالتمدد إلى منطقة الشرق الأوسط لجهة إضعاف واشنطن والانفراد بالسيطرة وممارسة النفوذ على هذه المنطقة.
• ترغب واشنطن في الحفاظ على نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وذلك لجهة حرمان موسكو والقوى الأخرى من التمدد والانتشار في المنطقة بما يؤدي إلى إضعاف النفوذ الأمريكي.
• وترغب بكين في التمدد والتخلي عن استراتيجية البقاء وراء جدران سور الصين العظيم، وقد بدأت بكين حالياً مشروع بناء حاملات الطائرات ونشر شبكاتها الاستثمارية العابرة للحدود وذلك لجهة حرمان واشنطن حالياً وربما موسكو في المستقبل من الانفراد بالسيطرة على مناطق العالم والتي تأتي في مقدمتها منطقة الشرق الأوسط.
تتميز السياسة الخارجية السورية بالحياد الإيجابي وباستقلالية عملية صنع واتخاذ القرار بعيداً عن نفوذ القوى الكبرى العظمى، وهذه الاستقلالية هي التي ستتيح لدمشق تفعيل الخطوط الدبلوماسية الثلاثة، وإذا كانت واشنطن عازفة اليوم عن التعامل بإيجابية على خط دمشق – واشنطن فإن تفعيل خط دمشق – بكين وخط دمشق – موسكو سيدفع واشنطن إلى إدراك أن العزوف عن علاقاتها مع دمشق سوف لن يجلب للمصالح الأمريكية سوى الضرر طالما أن الآخرين سيأتون خاصة وأن دمشق قادرة على التعامل برحابة صدر مع كافة الدبلوماسيات وفقاً لمبدأ انفتاح بوابات دمشق السبعة على القادمين من شتى أنحاء العالم خاصة وأن دمشق لا تطلب شيئاً سوى اعتراف الآخرين بحقوقها القانونية العادلة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد