إيديولوجيا الحجاب على جبهتي الاسلام والأنظمة والاسلام والغرب
الضجة قائمة في الشرق والغرب معاً, في فلسطين ومصر والعراق والمغرب وتونس, كما في تركيا وفرنسا وهولندا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا ووراء الاطلسي في الولايات المتحدة وكندا واستراليا... والموضوع واحد: الحجاب. كيف تحوّل الحجاب الى حدث سياسي يومي, على مستوى النخبة كما على مستوى العامة, وفي الممارسة السياسية والدبلوماسية معاً, وما قصة المعركة التي يخوضها الاسلام المعاصر, بشقيه الوسطي والمتشدّد ضد كل مظاهر الثقافة الغربية داخل وخارج العالم العربي؟
يشهد العديد من الدول العربية جدالاً حاداً حول ارتداء الحجاب والنقاب, خصوصاً في المؤسسات التعليمية. وقد احتل هذا الموضوع اخيرا في تونس المشهدين الاعلامي والسياسي واستفز الرأي العام بين مؤيد ومعارض. فهناك من يعتبر ان موقف الدولة التونسية من الحجاب ليس جديداً, بل جزء من الحرب على الاسلام التي بدأت مع دولة الاستقلال بقيادة الرئيس السابق الحبيب بورقيبة, مع العلم ان منع الحجاب في تونس بدأ في العام 1981, الا ان تطبيقه منذ ذلك الوقت شهد صعودا وانحدارا حسب الظروف. وفي السياق نفسه هناك من يرى انه منذ العام 1991, تحول الامر من حرب على الحركة الاسلامية التونسية بوصفها حركة سياسية, ليصبح حربا على الاسلام نفسه, وعلى كل ممارسة دينية. وكان قرار حكومي صادر في العام 1981 اعتبر ان الحجاب زي طائفي ودعا لمنعه, خصوصا في الجامعات ومعاهد التعليم الثانوي والمؤسسات الحكومية. وكانت اصوات حكومية تونسية قد اكدت رفضها هذا «اللباس» لانه ينال من المكاسب التي تحققت للمرأة التونسية. واللافت في هذا المجال ان غالبية الصحف التونسية انضمت الى الحكومة في اعلانها رفضها ارتداء الحجاب ووصفته بانه «لباس طائفي دخيل». وفي الشق المقابل شن حقوقيون تونسيون هجوما كاسحا على الحكومة بسبب ملاحقة الطالبات المحجبات في الجامعات واجبارهن على خلعه. وكان الأمين العام للحزب الحاكم الهادي مهنى قد عبر في وقت سابق عن رفضه ارتداء الحجاب ووصفه بانه «ظاهرة دخيلة على مجتمعاتنا محذرا من انه سيدفع المرأة في تونس للقبول بأن تكون مهمتها الاعمال المنزلية والانجاب فحسب. كما وصف الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الحجاب بانه لباس طائفي دخيل وقال ان اللباس التقليدي التونسي كفيل بضمان قيم الحياة والاحتشام.
تأتي هذه الحملة بعد ان عادت ظاهرة ارتداء الحجاب بشكل لافت الى الشارع التونسي وخصوصا في الجامعات.
واذا كان هذا هو واقع الحال في تونس, فإن المغرب بدأ هو الآخر تطبيق سياسة لمكافحة التطرف وعمل في هذا الاطار على اجراء تغييرات جدية على التعليم الديني في البلاد, وبالتحديد في موضوع ارتداء البنات للحجاب.
وازيلت صورة امرأة وابنتها ترتديان الحجاب من الطبعات الاخيرة للكتب المدرسية, كما حذف نص قرآني يتعلق بزي النساء. وقد حذت دول عربية اخرى هذا الحذو خوفا من ان يرتبط ارتداء الحجاب بالتطرف.
واصبح الحجاب من الرموز الاسلامية المسلّم بها والمثيرة للجدل في آن, ولكنها لم تكن هذه الظاهرة مؤثرة ومنتشرة في المغرب حتى الآن. واذا كنا نشاهد في المدن المغربية نساء مسنات يرتدين الحجاب, الا اننا نشاهد بالمقابل البنات الشابات يرتدين الازياء العصرية وفق احدث الطرز. وبالامكان القول ان هذا التنوع في الازياء في الشارع المغربي يعكس الطابع الليبرالي للبلد, ولكن بعض المحافظين يرون في الاجراءات الاخيرة محاولة لاجتثاث الجذور الاسلامية للمغرب. بل يذهبون الى اكثر من ذلك معتبرين ان ضغوطا تمارس من الولايات المتحدة التي تعتقد ان تعليم اصول الدين وتعليم البنات ارتداء الحجاب سوف يشجع التطرف, ولذلك يشددون على ضرورة ان يبقى تدريس التعاليم الاسلامية ضمن النظام التعليمي الحكومي, «لاننا اذا لم نمنح الطلاب هذه الفرصة في المدارس فسوف يذهبون لاستقاء معلوماتهم من خارجها, مما يعرضهم الى الوقوع في اياد شريرة».
وتخشى الحكومة المغربية من اشتعال فتيل التطرف الاسلامي, وتقول انها لا تريد ان يكون الحجاب هو الذريعة التي تؤدي الى تنامي شعبية المنظمات المتطرفة. خصوصا ان هناك من يعتبر ان للحجاب صبغة سياسية: هذه القضية لا تتعلق بالدين بل بالسياسة, حيث اصبح الحجاب رمزاً سياسياً.
الباحثة المغربية فاطمة ساديجي تؤكد في دراسة لها تحت عنوان «الحجاب والحركة النسائية في المغرب» ان الحركة النسائية الحديثة موجودة بفاعلية في المجتمع المغربي, وانها قادرة على إحداث قدر من التقدم رغم فترة الاحياء الديني التي يعيشها المغرب. مسجلة مزيجا فريدا من التحركات الفعالة النشطة من قبل نساء علمانيات ومتدينات ادى الى الاهتداء ببصيرة اساسية: الا وهي ان التفاعل بين الرجال والنساء لم يكن خاضعا لاملاء ديني, بل كان قائماً على الممارسات الاجتماعية التي كثيرا ما كانت تستخدم الدين كوسيلة لتعزيز موقفها. على سبيل المثال, ارتبطت النساء وطهارتهن الجنسية بشرف الرجل والعائلة وهي رابطة كان الدفاع عنها من خلال زرع جذور لها في الاسلام. وبالنسبة الى هؤلاء الناشطين, كان المقصود من هذه الرابطة الحفاظ على السيطرة على النساء, وكانت جزءاً من المجتمع المغربي, ولا اصل لها في الاسلام. وتوضح الباحثة المغربية انه بحلول تسعينيات القرن العشرين بدأت المغرب تشعر بتأثير الثورة الايرانية وبروز اميركا في فترة ما بعد الحرب الباردة باعتبارها القوة العالمية العظمى الوحيدة, ومثلها كمثل العديد من الدول الاسلامية في العصر الحديث, بدأت المغرب تشهد اعادة احياء الاسلام السياسي, وقد كان ذلك بمثابة تهديد لسلطة الملك, الذي كان يراقب المؤسسة الدينية, فضلاً عن جهود «انصار المساواة بين الجنسين» التي تسعى الى تحقيق الاعتدال في قوانين الاسرة في المغرب, والتي كانت قائمة على نظرة جامدة الى التعاليم الاسلامية. لكن الدلالة المتنامية للحجاب اكدت فوارق مهمة قائمة بين الرجال والنساء, ففي نظر العديد من الرجال, سواء كانوا من الاسلاميين او غيرهم, يظل الحجاب يشكل اشارة الى الانتماء الاسلامي والتقوى التقليدية. مع ذلك, يرمز الحجاب في نظر العديد من النساء الى التحرر, فهو يعد بمثابة اشارة الى انخراطهن في المجتمع المغربي العام بأساليب تعكس فهمهن للممارسة الدينية السليمة.
والسؤال: هل بامكان الحركة النسائية في المغرب التي تعمل الآن كجسر بين المجتمعين العلماني والمتدين ان تضرب مثالاً على قوة الفكر الاجتماعي داخل المجتمع التقليدي, من دون ان تشكل مراجعة التفسيرات التقليدية للنصوص الاسلامية نهاية القصة؟ يبدو ان الاجراءات الاخيرة التي اتخذتها المغرب, تشير الى ان الدولة اختارت التوجه العلماني, لكن هل يركن المحافظون الى هذا التوجه, ام ان تحولات جذرية سوف تؤدي الى إحداث انقلاب على الواقع ومعطياته؟
الحجاب يفرض بقوة السلاح
الصورة في العراق تبدو مختلفة تماماً, ففي هذا البلد يحضر السيف بدل اللسان, والحجاب هناك, ليس قطعة قماش وحسب, ولكنه علامة على اضطهاد المرأة والتحكم في حياتها, وخضوعها المهين للمجتمع الذكوري, ذلك ان الاختيار الوحيد امام المرأة هو الطاعة العمياء, وكان «مجلس شورى المجاهدين» قد هدد بقتل العراقيات اللاتي لا يرتدين الحجاب وكذلك اولياء امورهن في الاسواق والشوارع العامة. ففي منشورات وزعت في انحاء العراق قال مجلس شورى المجاهدين: «لقد قررنا ان ننهى عن المنكر بأيدينا وان نوجه انذاراً نهائياً للسافرات من النساء والى اولياء امورهن ورؤساء الدوائر الرسمية ومديرات المدارس المتوسطة والاعدادية ورؤساء الاقسام وعمداء الكليات بوجوب التزام المنتسبات من الموظفات والطالبات بالحجاب... والا سوف يتعرض المخالفون والمخالفات للقتل في الاسواق والطرق العامة او عند خروجهن من بيوتهن ولا فرق عندنا بين المسلمة والمسيحية».
هكذا اصبح الحجاب في العراق يفرض بقوة السلاح بعد ان كان يفرض اجتماعياً ودينياً, وليس امام المرأة الا ان تستجيب, وكيف لا تستجيب والتهديد بالقتل يلوح في الأفق يومياً, لأن رجال الدين وأتباعهم يطبقون ما يعتقدون انه شريعة الله على الارض بالقوة.
شخصياً الحجاب يشعرني بالقيود €تقول احداهن€ يفرض شخصية لست انا منها بشيء وكأنني ألبس قناعاً وكأن شخصيتي تلغى عندما ارتديه.
«وجدت نفسي مضطرة للباسه €تقول اخرى الى محطة بي. بي. سي€ حتى قبل احداث العراق الاخيرة, منذ ان دخلت العشرين من عمري, وكان علي ان امتثل لما يراه الناس صحيحا وليس لما يمليه علي عقلي.
اليوم يكتشف كل من يتجول في شوارع العراق ان ارتداء الحجاب بدأ يزداد بطريقة عجيبة, مقارنة مع فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي, واصبح المجتمع العراقي ينظر الى المرأة غير المحجبة نظرة دونية, حتى لو كانت هذه المرأة ترتدي ملابس محترمة طالما ان شعرها غير مغطى. لذلك فإن الكثير من النساء يجدن انفسهن مكرهات على ارتدائه, والا سوف يواجهن الاستهجان وعدم التقبل, بل الطعن بكرامتهن وشرفهن, ولذلك يرتدينه مضطرات لاسكات ألسنة الناس. او تجنباً لانتقام قد يودي بحياتهن.
لكن الصورة في مصر تبدو خارجة عن كل سياق, فالاقبال على ارتداء الحجاب في هذه البلاد المترامية يبدو انه تحول الى احجية لا تفسير او قانون لها. اذ ان حوالى 90 بالمئة من نساء مصر اصابتهن حمى الهداية او هذه الموضة كما يحلو للبعض ان يطلق عليها فلقد التجأت نسبة كبيرة من الفتيات المصريات الى الحجاب او النقاب بأشكال متنوعة, تعامل معها البعض كتجارة رابحة, وبدأ الاتجار فيها بالجملة والمفرق حتى بدت مصر كلها وكأنها قطعة من قماش متحركة. واذا كانت غالبية البلاد العربية, قد اصبحت تقية ومتعبدة, الا ان الصورة في الغرب وأوروبا تتخذ ابعاداً مختلفة. وفي الوقت الذي تمسكت فيه فرنسا بالمضي قدماً في تنفيذ خططها لحظر ارتداء الحجاب الاسلامي في المدارس الحكومية كانت هذه القضية موضوعاً لنقاش محموم في تركيا على مدى اكثر من 20 عاماً. حيث تعتبر تركيا من قبل البعض نموذجا للدولة الاسلامية الديمقراطية.
وتدافع المؤسسة العسكرية التي تتمتع بنفوذ واسع بقوة عن فصل الهوية العلمانية العامة للدولة عن الممارسات الدينية الخاصة. ويحرص الكثيرون في تركيا على اظهار هذا الفعل امام العالم. فهم يريدون الايحاء بأن الدولة التركية دولة علمانية حديثة غربية التوجهات. وتجلى ذلك بوضوح عندما فازت تركيا بجائزة في مسابقة الاغنية الاوروبية العام الماضي, حيث مزجت المغنية سيرتاب ايرينير التي ارتدت ملابس عارية الايقاعات الشرقية مع الموسيقى الغربية لتصبح اول تركية تفوز بهذه الجائزة.
لكن هذه الصورة لا تعبر عن تركيا بأكملها, حيث تشير التقديرات الى ان 65 بالمئة من النساء في تركيا يرتدين الحجاب. لكن لا يسمح للمرأة التي ترتدي الحجاب دخول المؤسسات التابعة للدولة مثل المدارس والجامعات والمكاتب الحكومية. وبعد تشديد الحظر في العام 1997 بدأ عدد متزايد من النساء في السفر الى الخارج للالتحاق بالتعليم الجامعي. فمثلاً بعد منع سمرة بانور البالغة من العمر 24 عاماً من التعليم في الجامعات التركية واصلت هي وكثيرات من الزميلات التعليم في اذربيجان. واللافت انه منذ فرض الحظر على ارتداء الحجاب منعت اكثر من عشرة آلاف طالبة في اسطنبول وحدها من دخول الجامعات. وعبرت الشابات وعائلاتهن عن خيبة املهن خلال الانتخابات العامة التي جرت في العام 2002 عندما صوتن لصالح حزب العدالة والتنمية الذي يمثل التيار الاسلامي المعتدل. لكن هولاء يقلن الآن ان حكومة حزب العدالة والتنمية لا تبذل جهداً كافياً لمساعدتهن. حتى رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان عانى لأن ابنته ترتدي الحجاب. لكنه يملك الاموال لارسالها الى الولايات المتحدة من اجل التعليم ولذلك يمكنها الاستمرار في ارتداء الحجاب. لكن المؤكد ان الناس في هذا البلد تشعر باحباط كبير. اذ جعل انتخاب حكومة لها جذور اسلامية سياسية القضية اكثر تعقيدا. ورفضت الحكومة الحديث عن هذا الموضوع لكن متحدثة باسم العدالة والتنمية قالت انها تعتبر قضية الحجاب من مشاكل حقوق الانسان واذا تحسن سجل حقوق الانسان بأكمله في تركيا ستحل هذه القضية.
وفي السياق نفسه تعتبر ردات الفعل المتشنجة لبعض المؤسسات الفرنسية او الالمانية تجاه مسألة الحجاب الاسلامي, تعبر جليا عن اختزال من قبل أوروبا للديانة المحمدية الى بعدها القانوني.
ويشكل الجدل الدائر حالياً في بريطانيا حول النقاب امتداداً لذلك الذي بدأ في عدة دول اوروبية اخرى حيث اصبح الحجاب يشكل رمزا للتساؤلات حول اندماج المسلمين. وتواجه الدول الاوروبية مثل فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وايطاليا والسويد لكن بدرجات متفاوتة المسألة نفسها المتعلقة بارتداء الحجاب الذي تزايد في السنوات الماضية واصبح المؤشر الاكثر وضوحاً على «الفصل» بين المجموعات بحسب تعبير رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير. واكد بلير اخيرا «انه في غالبية الدول الاوروبية, يدور جدل مماثل, مضيفا انه خلف مسألة الحجاب يرتسم جدل اكبر يتناول العلاقة بين مجتمعنا وكيفية اندماج المسلمين فيه».
وفي بريطانيا حيث اعادت اعتداءات 7 تموز €يوليو€ 2005 النظر في النموذج «المتعدد الثقافات» الذي يفخر به البريطانيون, تركز الجدال في الايام الاخيرة على النقاب, بعدما اوقفت المدرسة عائشة عزمي €24 عاماً€ عن عملها لانها رفضت نزع النقاب خلال التدريس. وعلى غرار ما يحصل في الدول الأوروبية الاخرى, تركت الحكومة للسلطات المحلية مسؤولية القرار. ويقيم نحو 6.1 مليون مسلم في بريطانيا وغالبيتهم من باكستان.
اما فرنسا الدولة الأوروبية التي فيها اكبر عدد من المسلمين €نحو خمسة ملايين نسمة, لا سيما من دول المغرب العربي€ فهي من الدول القلائل حتى الآن التي قامت بتشريع هذه المسألة على الصعيد الوطني حيث منعت في آذار €مارس€ 2004 ارتداء او وضع رموز دينية واضحة في المدارس الرسمية وبينها الحجاب. لكن النقاب ليس رائجاً كثيرا هناك الا انه بدأ في اثارة جدال. فقد قدم النائب جاك مايار من الاتحاد من اجل حركة شعبية €يميني€ مشروع قانون يوصي بعقوبة سجن ودفع غرامة بقيمة 3750 يورو في حال انتهاك المبدأ القائل بأن كل شخص يدخل الى اراضي الجمهورية ويخرج منها يجب ان يكون وجهه مكشوفاً ما يتيح بسهولة التعرف الى هويته, واعتبر ان النقاب يشكل انتهاكا للمساواة بين الجنسين وخطرا كبيرا على الرغبة في العيش معاً.
وفي هولندا حيث يشكل المسلمون 18€ من الشعب ويمكن للموظفات الرسميات وضع الحجاب, الا اذا كان ذلك يتداخل مع الأمن او حسن سير العمل والحياد, اصبح الجدال يتركز على البرقع حتى ولو انه لا يشمل الا اقلية. وقد صوت البرلمان قبل سنة لصالح منعه في الامكنة العامة لكن الاجراء لم يطبق بعد اذ تعتبر وزارة العدل انه يتناقض مع قانون مكافحة التمييز.
وفي المانيا, حيث يعيش اكثر من 2.3 ملايين مسلم غالبيتهم من الاتراك, يستمر الجدال ايضا منذ عدة سنوات, فقد غيرت بعض المقاطعات القانون فيما تقوم اخرى بدرس مشاريع قوانين لمنع الرموز الدينية في المدرسة بشكل صارم الى حد ما. ففي بادن فورتمبرغ €جنوب غرب€ منعت المدرسات في نيسان €ابريل€ 2004 من وضع الحجاب في المدرسة. وفي المقابل سمحت محكمة شتوتغارت الادارية في تموز €يوليو€ لمدرسة بارتداء الحجاب في مدرسة رسمية.
وفي هذا الاطار, دعت عدة شخصيات المانية من اصل تركي في منتصف تشرين الاول €اكتوبر€ المسلمات الالمانيات الى التخلي عن الحجاب من اجل اظهار اندماجهم في المجتمع.
وفي ايطاليا حيث يقيم نحو مليون مسلم عادت مسألة الحجاب لتطرح الاسبوع الماضي اثر تصريح لرئيس الحكومة الايطالية رومانو برودي الذي قال «اذا ارادت المرأة ان تضع الحجاب فلا بأس لكن عليها ألا تخبئ وجهها».
وكشفت حادثة جرت اخيراً خلال نقاش متلفز عن مدى حساسية الموضوع في ايطاليا. فقد صرحت دانييلا سانتانكي نائبة التحالف الوطني €يمين€ بأن القرآن لا يفرض وضع الحجاب ما دفع بأحد الأئمة الى وصفها بأنها «كافرة».
وادى ذلك الى فرض حماية امنية مشددة على النائبة وتظاهرات تضامن من المسؤولين السياسيين اليساريين واليمينيين على حد سواء الذين شددوا جميعا على ضرورة «اندماج» المسلمين في المجتمع.
وفي بلجيكا يشكل المسلمون 5.4€ من الشعب وغالبيتهم يتحدرون من اصل مغربي او تركي, تظهر مسألة الحجاب بانتظام ايضا لكن تنظيمها يعود الى السلطات المحلية. فقد حظرت بعض المناطق في فلامندر €شمال€ وبروكسل البرقع او ملابس اخرى تخفي الوجه بالكامل.
اما الحرب الاميركية على الارهاب فليست من اختراع جورج دبليو بوش, بل انها تعود الى الثمانينيات, كما يعتقد المؤرخ الالماني فولفغانغ شفانيتز الذي يتحدث عن جهل اميركي مطبق بطبيعة الاسلام وغياب رؤية سياسية اميركية للتعاطي معه.
خمس سنوات مرة على تفجيرات الحادي عشر من ايلول €سبتمبر€ 2001 في الولايات المتحدة الاميركية والتي اعلن الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش على اثرها الحرب العالمية على الارهاب. لكن سياسة محاربة الارهاب بحد ذاتها ليست من اختراع حكومة بوش, بل ان صياغة اسسها الاولية كانت قد تمت في عقد الثمانينيات من القرن الماضي وذلك في عهد حكومة رونالد ريغان. ولكن سواء ريغان او اسلافه من رؤساء الولايات المتحدة الاميركية كانوا دائما يفتقدون الى فهم دقيق للعلاقة بين الارهاب والاسلام الراديكالي. هذا ما يعتقده المؤرخ الالماني فولفغانغ شفانيتز, المتخصص في الشؤون العربية وتاريخ الشرق الاوسط, في مقابلة مع دويتشه فيلة.
شفانيتز اطلع على وثائق اميركية قديمة رفعت عنها السرية بمرور الوقت وخرج من خلال دراسة بعنوان «السياسة الاميركية غير المكتوبة تجاه الاسلام» بنتيجة مدهشة تقول: الولايات المتحدة الاميركية كانت حتى تفجيرات الحادي عشر من ايلول €سبتمبر€ عام 2001 تتبع سياسة عمياء في ما يخص العلاقة بين الارهاب والاسلام الراديكالي, هذا على الرغم من ان محور سياسة مكافحة الارهاب الاميركية حتى ذلك الوقت كانت البلدان الاسلامية.
«... الارهاب هو احد اشكال الحرب... الارهابيون يقودون حربا ليس على اميركا وحدها, وانما على الحضارة البشرية. انهم لا يحترمون لا قيم الحياة ولا قيم الديمقراطية». من يصدق ان هذه الكلمات صدرت عن رئيس الولايات المتحدة الاميركية جورج دبليو بوش, فهو مخطئ. الشخص الذي قالها هو احد اسلافه وهو الرئيس الاميركي رونالد ريغان, الذي اعلن في بداية الثمانينيات ان الارهاب مشكلة عالمية. في هذا السياق يقول شفانيتز «على وجه الدقة, بدأت المشكلة في نهاية ستينيات القرن الماضي, حينا كان اختطاف الطائرات بمثابة موضة في منطقة الشرق الاوسط, وكذلك احتجاز الرهائن واحتلال السفارات. كان يتوجب على المرء آنذاك ان يبدأ في البحث عن الاسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الاعمال ولماذا يقدم هؤلاء عليها وما هي العقلية التي تحرك هؤلاء وما هي الايديولوجيا التي يعتنقونها, على حد قول الخبير. ويضيف شفانيتز انه حتى الآن لم يتم في اميركا مناقشة جادة وحقيقية لماهية الاسلام وللأيديولوجيات التي ترتبط به.
المؤرخ, شفانيتز, الذي يعيش منذ ست سنوات في الولايات المتحدة ويعمل هناك, يتحدث عن وجود محظورات لدى الحكومة الاميركية في ما يتعلق بالتعاطي مع الاسلام او في تسلط الضوء على تنامي تسييسه» من اللافت للنظر بالنسبة الى السياسة الاميركية تجاه الشرق الاوسط انه لم تصغ في الـ25 سنة الاخيرة اي سياسة اسلامية. ويذكر شفانيتز عدة اسباب لعدم وجود سياسة اميركية حول الاسلام السياسي وتياراته المختلفة. ويقول الخبير ان عقلية الحرب الباردة كانت لا تزال حتى العام 2001 تسيطر على الحكومة الاميركية. كما ان الدول العربية والاسلامية تم محاربتها من جهة ومن جهة اخرى تم دعمها وفقا لاعتبارات المصلحة والحاجة لتعبئتها.
السبب الآخر الذي يسوقه شفانيتز لعدم وجود سياسة اميركية واضحة للتعاطي مع الاسلام يرجع الى طبيعة المجتمع الاميركي ودستوره وتاريخه. فأميركا في حقيقة الامر هي دولة ديمقراطية علمانية لا يلعب الدين فيها دورا كبيرا. هذا من ناحية, اما من ناحية اخرى, فلا يوجد تماس حقيقي مع الاسلام في الولايات المتحدة يمهد لمعرفة هذا الدين. والنتيجة هي حدوث فجوة في الوعي والمعرفة بالاسلام عبر مختلف الاجيال, حسب قول شفانيتز. كذلك كان اهتمام الحكومة الاميركية بالدول الاسلامية الشرق اوسطية حتى العام 2001 محدودا جدا كما انها لم تكن تمتلك رؤية سياسية واضحة للتعامل مع الاسلام والدول الاسلامية. وبالتالي شكلت عملية الحادي عشر من ايلول €سبتمبر€ 2001 بالنسبة الى جورج دبليو بوش «حدثا مباغتا» سواء من حيث اسبابها او من حيث نتائجها, حسب اعتقاد شفانيتز. ومع ان الادارة الاميركية الحالية تحاول ان تكون قريبة من الاوضاع السائدة في منطقة الشرق الاوسط الا انها ايضا ليس لديها حتى اليوم شيئا اسمه سياسة اسلامية ولا حتى ورقة عمل وطنية اسوة بأوراق العمل التي عادة ما تصوغها هذه الادارة حول القضايا المختلفة.
ويضيف الخبير في مجال الشرق الاوسط قائلا: كل ما لدى الادارة الاميركية هو بعض الخبرة العملية حول الاسلام التي اكتسبتها من خلال معايشة طريقة ممارسته في بعض المناطق كما هي الحال في العراق وافغانستان اثناء العمليات العسكرية هناك. وهما البلدان اللذان يتحكم فيهما الاسلام بحياة وطريقة تفكير الكثير من الناس. ومن هذا المنطلق, يفسر شفانيتز الاخطاء التي ارتكبها الاميركيون في العراق بعد سقوط نظام صدام, والتي من الممكن تجنب الكثير منها, بأنها ناجمة عن عدم فهم اميركا لطبيعة الاسلام حتى اليوم, وهذا على الرغم من ان الدين يلعب دورا كبيرا في حياة بوش.
وفي استراليا اثارت تصريحات للمفتي هناك جدالا في البلاد بعد ان شبه النساء غير المحتشمات اللواتي لا يرتدين الحجاب بـ«اللحم المكشوف» مشيرا الى انهن يجلبن على انفسهن التعرض لهجمات جنسية. وجاءت تصريحات الامام الشيخ تاج الدين الهلالي في خطبة خلال شهر رمضان امام 500 من المصلين وانتقد فيها النساء اللواتي «يتمايلن» ويضعن الماكياج ولا يرتدين الحجاب الاسلامي, حسب صحيفة «ذي استراليان».
واضاف «اذا اخذت لحما مكشوفا وضعته في الشارع او الحديقة او المتنزه او في الساحة الخلفية دون ان تغطيه, وجاءت القطط واكلته €...€ فغلطة من هذه, غلطة القطط ام غلطة اللحم غير المغطى؟». وتابع «اللحم المكشوف هو المشكلة. لو كانت المرأة في غرفتها وفي بيتها ترتدي حجابها, فلم تكن لتحدث المشكلة». وفي اطار ردود الفعل, صرح رئيس الوزراء الاسترالي جون هاورد للصحفيين بأن تلك التصريحات «مروعة وتستحق التوبيخ».
وقال «ان فكرة ان النساء يتحملن مسؤولية تعرضهن للاغتصاب مشينة». من جهتها دعت برو غوارد مفوضة مكافحة التفرقة بين الجنسين في الحكومة الاسترالية الى اقالة الامام الهلالي وطرده من البلاد. وقالت للتلفزيون الاسترالي ان الهلالي الذي يحمل لقب مفتي استراليا, ادلى في السابق بمثل هذه التصريحات ويجب طرده من البلاد. واضافت «هذا تحريض على ارتكاب جريمة. يستطيع الشباب المسلمون ممن يغتصبون النساء الاستشهاد بهذه التصريحات في المحكمة».
وقالت «اعتقد ان الوقت قد حان لوقف تقديم الاعتذارات €...€ واعتقد ان الوقت قد حان لنطلب منه المغادرة». واضافت انها لا تعلم ما اذا كان الهلالي المصري المولد الذي جاء الى استراليا من لبنان عام 1982, يحمل الجنسية الاسترالية. وقال الهلالي لصحيفة «ذي استراليان» انه كان يشير في خطبته الى المومسات, وليس الى اي امرأة لا ترتدي الحجاب, الا ان الصحيفة قالت انه لم يأت على ذكر المومسات في خطبته. وسارعت الجماعات الاسلامية الى النأي بنفسها عن تصريحات الهلالي. ووصف المجلس الاسلامي في نيو ساوث ويلز تصريحات الهلالي بأنها «غير اسلامية وغير استرالية وغير مقبولة».
مهما يكن الامر فإن العالم مشغول كله بمسألة الحجاب, التي تحولت الى شغل شاغل للحكومات والشعوب بعد العولمة. لكن دعونا رغم ذلك نستشهد بما كتبته الصحفية البريطانية الشهيرة كريستينا اودون تحت عنوان لماذا ارتديت حجابا عندما قابلت البابا يوحنا بولس الثاني؟ امتدحت فيه الحجاب الاسلامي وشبهته بالمنتيلا المسيحية في انتقاد مباشر لجاك سترو رئيس مجلس العموم والوزير السابق الذي طالب المسلمات اخيرا بعدم ارتداء النقاب عند مقابلته, وهو ما ايده فيه رئيس الوزراء طوني بلير. كتبت الصحفية: الصورة الفوتوغرافية تجلس بكل فخر على رف مكتبتي الخاصة, وفيها يظهر البابا الراحل يوحنا بولس الثاني واقفا داخل احدى كنائس الفاتيكان ومحاطا بمفكرين من جميع انحاء أوروبا, بينهم انا مرتدية منتيلا سوداء اللون.
وتروي الكاتبة انه «في العام 1999, عقد الفاتيكان مؤتمرا للاعداد لاحتفالات الغفران في العام 2000, حيث دعا مجموعة من الاكاديميين والكتاب والمذيعين الى ذلك. ورغم ان البعض في كاتدرائية ويستمينيستر €الكنيسة الأم في انكلترا€ اندهشوا من ترشيحي فإنني اصبحت ممثلة بريطانيا في المؤتمر. كانت تجربة تأتي مرة واحدة في العمر, وكنت عصبية... هل ستكون كلمتي عن الدين والاعلام على ما يرام؟ هل يناقش زملائي في وفد المفكرين ابحاثا لاهوتية على مائدة الافطار؟ هل يتعين عليّ ان اقبل خاتم البابا؟».
وتستطرد اودون: «الشيء الوحيد الذي كنت واثقة منه هو ما الذي يتعين علي ارتداؤه... المنتيلا, وهي ذلك الغطاء المزركش الذي ينسدل على الرأس والكتفين ويغطي الوجه €مثل النقاب€ وعادة ما يكون اسود اللون, وهي تمزج بشكل كامل بين التواضع والاحتشام والاحترام».
وتتحدث الكاتبة البريطانية عن المنتيلا قائلة: «مع انها كانت في فترة ما سمة مميزة للكاثوليكيات, فإن عددا قليلا جدا من النساء فقط هن اللائي يرتدينه. وعلى اي حال, يبدو ان المنتيلا اصبح فيها شيء من التباهي بحيث انها زينت رأس ديانا اميرة ويلز وشيري زوجة رئيس الوزراء طوني بلير. لكن بالنسبة الى ايماني الخاص بالكاثوليكية, لا يوجد ما يتغلب عليها».
وترى اودون وجها للشبه بين المنتيلا والحجاب الاسلامي, وتصف المنتيلا بأنها «ثوب متأصل في التقاليد ومذكور في الكتاب السماوي وترتديه اقلية من المؤمنين, كما يتناقض مع الذوق المعاصر في تعرية اللحم. ارتديه, وبذلك تعلنين انك مختلفة».
وتمتدح الكاتبة البريطانية غطاء الرأس والعنق قائلة: «لا المنتيلا ولا الحجاب الاسلامي يمكن اعتبارهما استفزازا عدائيا للمجتمع, بل على النقيض: انها قطع ناعمة وانثوية من الملابس تستر باحتشام الوجه والبدن. وبالحجاب او المنتيلا, حتى الاشكال المثيرة جنسيا مثل مغنية البوب مادونا تتحول الى اشياء رومانسية وغامضة».
ومضت تقول: «لكنك لا ترتدي الحجاب او المنتيلات كإغراء معارض للفطرة, وانما كحديث هامس وسط حجرة مليئة بصيحات. كلاهما يظهر انك تحترم سلطة مختلفة عن عارضة الازياء كيت موس او رئيس مجلس العموم جاك سترو. لكن هذا الاظهار للاستدلالية لا يتماشى جيدا مع غريبي الاطوار الذين يسيطرون على الكنيسة في بريطانيا».
حسين نصر الله
المصدر : الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد