بلقنة ليبيا والمحرقة المقدسة
الجمل: تحدثت التقارير الإخبارية مساء الأمس عن المظاهرات الحاشدة التي سارت في مدن شمال شرق ليبيا التي تسيطر عليها قوات المعارضة الليبية المسلحة، وما كان لافتاً للنظر ومثيراً للاهتمام، إن هذه المظاهرات لم تكن ضد الزعيم معمر القذافي، وإنما كانت ضد حلف الناتو والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي: فما حقيقة ما يجري في مناطق شمال شرق ليبيا. وما هي حقيقة عمق الصراع الليبي ـ الليبي الذي دخل نفق الأقلمة ثم نفق التدويل خلال بضعة أيام؟
* التطورات الجديدة في مسرح الصراع الليبي ـ الليبي: توصيف المعلومات الجارية
تشير المعلومات الجارية المختلفة المصادر إلى أن الأداء السلوكي العسكري الخاص بمجرى فعاليات الصراع الليبي ـ الليبي، قد أصبح يسير على نسق سيناريو محدد، ينطوي بوضوح على الجمع بين الآتي:
• السياق الحركي ـ العسكري، من خلال استمرار العمليات العسكرية بلا توقف.
• السياق السكوني ـ العسكري، من خلال تثبيت نطاق العمليات العسكرية ضمن جدول جغرافية عسكرية محددة.
وتأسيساً على ذلك، فقد اتضحت النوايا الحقيقية للتحالف الدولي الذي يقود حالياً بالأدوار الآتية:
• دور الطرف الثالث السياسي الذي ينشط في المسرح الدبلوماسي الدولي والإقليمي لجهة عزل نظام الزعيم القذافي واستقطاب الدعم للمعارضة الليبية.
• دور الطرف الثالث العسكري الذي ينشط في المسرح الحربي، لجهة توجيه الضربات العسكرية ضد قدرات وقوات نظام الزعيم القذافي وإسناد ودعم تحركات قوات المعارضة المسلحة الليبية.
وبرغم وضوح هذه الأدوار، فقد برز الدور غير المعلن، عندما أكدت معطيات الأداء السلوكي الخاص بفعاليات تدخل التحالف الدولي الآتي:
• عندما تتقدم قوات القذافي شرقاً وتتجاوز مدينة البريقة النفطية فإن التحالف الدولي يقوم على الفور بتوجيه الضربات ضد قوات القذافي.
• عندما تتقدم قوات المعارضة المسلحة الليبية غرباً وتتجاوز مدينة البريقة. فإن التحالف الدولي يقوم على الفور بتقليل وتعليق ضرباته.
يؤكد هذا الاستنتاج، أن مدينة البريقة، هي المدينة الوحيدة التي دارت فيها ثلاث معارك عسكرية بين قوات الزعيم القذافي وقوات المعارضة المسلحة الليبية، والسبب في ذلك، هو حالة التدخل المتراوح بين الانخفاض والشدة في عمليات التحالف الدولي. وعلى ما يبدو، سوف تشهد مدينة البريقة العديد من المعارك الأخرى المتتالية بفعل عمليات التقدم والتراجع التي ظلت تقوم بها قوات الطرفين بفعل تأثيرات وعدم تأثيرات عنصر القوة المضافة وفقاً لفعاليات التحالف الدولي.
* المعارضة المسلحة الليبية: المكونات والاتجاهات
تحدثت التحليلات والدراسات الأخيرة عن العديد من المعلومات المثيرة للاهتمام حول طبيعة مكونات واتجاهات المعارضة السياسية الليبية الناشطة حالياً في مناطق شمال شرق ليبيا، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• تحليل البروفيسور جيمس بتراس الخبير في الشؤون الإسرائيلية والأمريكية اللاتينية، والاقتصاد السياسي، وحمل التحليل عنوان (ليبيا ودفاع أوباما عن الاحتجاجات).
• تحليل البروفيسور ميشيل خوسودوفيسكي، الذي حمل عنوان (رجلنا في طرابلس: الولايات المتحدة ـ حلف الناتو تقومان بإدماج العناصر الإسلامية المتطرفة ضمن المعارضة الليبية).
• تحليل يوهان غالتونغ وحمل عنوان (الحرب الغربية ضد القذافي).
• تحليل مهدي داربوس نازيمورايا وحمل عنوان (البلقنة والاحتلال: هدف أمريكا هو تفكيك ليبيا على غرار يوغوسلافيا).
كشفت هذه التحليلات وغيرها عن الحقائق الآتية:
• إشعال الصراع الداخلي الليبي ـ الليبي بما يؤدي إلى استقطابات تقود إلى اجتذاب العناصر الإسلامية المسلحة المنتشرة في كافة أنحاء العالم.
• الإبقاء على جذوة الصراع الليبي ـ الليبي مشتعلة، بما يجعل من الساحة الحربية الليبية تمثل "المحرقة المقدسة" لكل العناصر الجهادية.
هذا، وإضافة لذلك أشارت هذه التحليلات إلى الحقيقة المثيرة للانتباه والتي أكدت على وجود صفقة أمريكية ـ سعودية، تحدث عنها المحلل السياسي بيب إسكوبار، وأشار في حديثه إلى النقاط الآتية:
• تعاون محور الرياض ـ واشنطن لجهة: قيام السعودية بالقضاء على الاحتجاجات السياسية البحرينية، وبشكل متزامن مع ذلك تقوم واشنطن بالقضاء على نظام الزعيم معمر القذافي.
• تم عقد الصفقة السعودية ـ الأمريكية على خلفية التفاهمات السرية التي تمت بين بعض رموز الإدارة الأمريكية ورموز بيت آل سعود الحاكم.
• أكد مصدران دبلوماسيان دوليان بأن هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الأمريكية كانت أحد المشاركين في عقد الصفقة، ولعبت دوراً رئيسياً لجهة القيام بنقل مفاعيل إنفاذ الصفقة إلى مجلس الأمن الدولي.
• تضمنت بنود الصفقة السعودية ـ الأمريكية، توزيع الأدوار والمهام لجهة القيام بالالتزامات الآتية:
ـ أن تقوم الرياض بدفع الجامعة العربية لجهة إصدار قرار المطالبة بالتدخل العسكري الدولي، وأن تستخدم الرياض ضغوطها لجهة إسكات المعارضين من الدول العربية ودول منظمة المؤتمر الإسلامي بما يؤدي إلى تحييدها لأطول فترة ممكنة، إضافة إلى دفع دول الخليج الأخرى لجهة القيام بالأدوار الناشطة في التحالف الدولي، على أن تقوم السعودية بدور المايسترو الذي يعمل من وراء الكواليس.
ـ أن تقوم واشنطن بدفع مجلس الأمن الدولي وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي لجهة دعم التدخل الدولي العسكري في ليبيا، وأن تستخدم واشنطن ضغوطها لجهة تحييد موسكو وبكين إضافة إلى الضغط على برلين وروما وأنقرا لجهة القيام بالمشاركة في التحالف الدولي حتى وإن كانت المشاركة ضمن المستوى الرمزي.
هذا، وأشار المحلل السياسي سكوربار، إلى أن مصدر التسريبات هو دبلوماسيان دوليان رفيعا المستوى، وبرغم أنه رفض الكشف عن هويتهما، إلا أنه أكد بأنهما ينتميان إلى تكتل دول مجموعة بريكس (BRICS) (C) و(B) هي البرازيل، و(R) هي روسيا، و(I) هي إيران، أما (C) فهي الصين.
هذا، ولما كان الصحفي سكوبار من كبار المحللين السياسيين الدوليين الناشطين في صحيفة آسيا تايمز التي تصدر في هونغ كونغ، والوثيقة الصلة بالشؤون الصينية، فإن مصدر التسريبات على الأغلب أن يكون هو بكين، مع عدم استبعاد موسكو.
* المعارضة المسلحة الليبية: العمليات السرية المخابراتية
كشف الخبير باتريك مارتين، عن علاقة المعارضة الليبية بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، من خلال الشواهد الآتية:
• وزعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تعميماً يحظر على أجهزة ووسائط الإعلام الأمريكية نشر اسم الناشط السياسي الليبي خليفة هفتار، ثم تبين بعد ذلك بفترة أن خليفة هفتار قد تم تعيينه في منصب القائد الأعلى لقوات المعارضة الليبية، وكان خبر تعيينه في هذا المنصب مثار اهتمام معظم المحللين السياسيين الأمريكيين وعلى وجه الخصوص المرتبطين بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
• تفاجأت الأوساط الإعلامية والصحفية بقيام مؤسسة جيمس تاون الأمريكية المرتبطة بشبكة مراكز دراسات اللوبي الإسرائيلي بإعداد ونشر ملف كامل عن الناشط السياسي الليبي خليفة هفتار، ولم تكتف بذلك، وحسب، وسعت إلى تضمين التقرير المزيد من الفقرات التي تصف تولي خليفة هفتار المنصب بأنه يقدم دفعة قوية لجهود واشنطن من أجل إدارة الصراع الليبي بما يخدم توجهات واشنطن العلنية والسرية الرامية إلى إكمال العديد من المخططات السرية الأخرى.
تشير المعطيات الجارية إلى أن مهام خليفة هفتار سوف تتضمن السعي لإنفاذ المخططات السرية الأمريكية الآتية:
• استقطاب وتسهيل استيعاب العناصر الجهادية الإسلامية القادمة من شتى بقاع العالم، ودفعها إلى خطوط المواجهة الأمامية ضد قوات الزعيم معمر القذافي.
• تسهيل عمليات التمويه والخداع اللازمة، لجهة حث الجماعات الإسلامية في بلدان منطقة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص إعطاء الأولوية للمناطق التي تسعى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لجهة تخفيف ضغوط الجهاديين على القوات الأمريكية (أفغانستان ـ العراق)، وتخفيف الضغوط عن حلفائها (السعودية ـ اليمن ـ المغرب ـ الأردن ـ باكستان).
• تعزيز الارتباط بين المعارضة الليبية المسلحة والمعارضة التشادية المسلحة، إضافة إلى بناء الروابط مع الجماعات المسلحة الدارفورية السودانية، تمهيداً لإنفاذ المخطط المستقبلي الأمريكي الساعي إلى فصل إقليم دارفور عن السودان، وتشير التسريبات إلى أن اكتمال عملية احتلال ليبيا وتقسيمها يمكن أن تشكل الخطوة الأولى، والتي سوف تعقبها خطوة السعي لإنفاذ المخطط السابق المتعلق بالتدخل الدولي الإنساني في دارفور، وحالياً، تشير المعطيات إلى بروز بعض العمليات المسلحة التي تستهدف عناصر القوات الدولية المتمركزة في دارفور بما يمهد لقرار سحبها من الإقليم على أمل أن تعود مرة أخرى. ولكن دون مشاركة قوات الاتحاد الأفريقي.
تشير المعطيات الجارية إلى أن المثير للانتباه هو أن الناشط السياسي الليبي هفتار، قد ظل يجمع بين ارتباطه بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وحركات الإسلام السياسي الليبية، إضافة إلى الجماعات الإسلامية المسلحة الناشطة في مصر والجزائر وتونس والمغرب. وتأسيساً على ذلك، تشير التوقعات إلى أن مسرح الحرب الليبية سوف يشهد تدفقاً غير مسبوق لدخول العناصر الجهادية المسلحة، وعلى وجه الخصوص عبر الأراضي المصرية، بعد أن استطاع وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس في زيارته الأخيرة للعاصمة المصرية القاهرة من القيام بإقناع كبار المسؤولين في الحكومة المصرية الحالية بضرورة السماح بتمرير المساعدات والمتطوعين إلى ليبيا.
برغم جهود الإذاعة البريطانية لجهة التكتم على المخططات السرية المخابراتية الغربية والأمريكية، فقد اضطرت هيئة الإذاعة البريطانية إلى إعداد تقرير مختصر يتحدث عن احتمالات أن يكون قوام المعارضة المسلحة الليبية الناشطة حالياً في مناطق بنغازي، هو عناصر تنظيم القاعدة الذين تم اجتذابهم من العديد من المناطق الأخرى. وأشارت دراسة بحثية قام بإعدادها الخبير ويبستر تايلي ونشرها على موقعه الالكتروني إلى أن العديد من أبناء منطقة درنة الواقعة شرق بنغازي قد انخرطوا في فعاليات تنظيم القاعدة في أفغانستان، ولاحقاً كان لهم دور أكبر في فعاليات تنظيم القاعدة في العراق. وخلصت الدراسة إلى أن عناصر القاعدة من أبناء منطقة درنة الليبية سوف يلعبون الدور الرئيسي في اجتذاب العديد من عناصر القاعدة الناشطين في العراق، بما سوف يخفف الضغط على القوات الأمريكية إضافة إلى إفساح المجال واسعاً أمام قيام وكالة المخابرات المركزية الأمريكية باستخدام نتائج ومعطيات سيناريو "المحرقة الليبية" لجهة إسقاطه على بعض دول الشرق الأوسط الأخرى، وعلى وجه الخصوص تلك التي ظلت تمثل عقبة رئيسية أمام المخططات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد