دمشق تحتفي بـالفيتو التاريخي وتتهم دولا غربيـة بدعم حـرب طائفيـة
احتفت دمشق بـ«الفيتو التاريخي» الذي استخدمته كل من موسكو وبكين في وجه مشروع القرار الاوروبي المدعوم أميركيا في مجلس الامن الدولي لإدانة «القمع» في سوريا، وشنت هجوما على بعض الدول الغربية متهمة إياها بتشجيع «العصابات المسلحة بشكل غير مباشر لإشعال حرب طائفية في سوريا».
وفيما استمر التوتر في منطقة حمص وتسجيل سقوط قتلى، ساد جو من «الإحباط» في العواصم الغربية بعد الفيتو المزدوج، في حين نفت روسيا أن تكون محامية الدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، متعهدة بمعارضة أية محاولات بإساءة استخدام قرارات مجلس الأمن للإطاحة بالأنظمة غير المرغوب فيها من قبل دول الغرب وتكرار السيناريو الليبي، مشيرة إلى أنها ستستقبل قريبا مندوبين عن المعارضة السورية داعية إياها الى القبول بالحوار مع الحكم ورفض التدخل الاجنبي، وأعلنت الصين أن صدور قرار عن مجلس الأمن «لن يحسن» الوضع في سوريا.
وأكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، في بريتوريا، أن أنقرة ستفرض «مجموعتها الخاصة من العقوبات» ضد سوريا برغم ما جرى في مجلس الامن. ومن المرتقب أن يزور اردوغان الأحد مخيمات النازحين في محافظة هاتاي على الحدود السورية، فيما بدأ الجيش التركي مناورات في المحافظة.
في هذا الوقت، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوما قضى بتحديد الاثنين 12 كانون الأول المقبل موعداً لإجراء انتخاب أعضاء المجالس المحلية.
وقالت المستشارة في الرئاسة السورية بثينة شعبان، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس» في دمشق، «انه يوم تاريخي لان روسيا والصين كدولتين وقفتا إلى جانب الشعوب وضد الظلم». وأضافت «اعتقد أن السوريين مرتاحون لرؤية أن هناك قوى أخرى في العالم تقف في وجه الهيمنة والتدخل العسكري في شؤون الدول والشعوب».
وتابعت «اعتبر أن روسيا والصين، وعبر استخدام حق النقض، وضعتا نفسيهما إلى جانب الشعب السوري، وأعطتانا الوقت لإجراء الإصلاحات بهدف التوصل إلى التعددية السياسية من دون أن نضطر كما آمل، لمواجهة المعاناة التي تعرض لها العراق وليبيا وباكستان وأفغانستان». وأوضحت «أنها المرة الأولى التي تلجأ فيها روسيا والصين إلى الفيتو لدعم شعوب الشرق الأوسط في حين استخدمته الولايات المتحدة عشرات المرات ضد حق الشعب الفلسطيني في حياة كريمة وأرض. وعليه، كيف يدعون الحديث عن حقوق الشعوب؟».
ووجهت شعبان انتقادا شديدا إلى الدول الغربية التي «من خلال إرادتها فرض عقوبات على سوريا وتقديمها قرارا يعاقب سوريا ويقترح تدخلا عسكريا، إنما تساعد في شكل غير مباشر العصابات المسلحة على مواصلة حربها علينا». وقالت «هذه العصابات المسلحة تهاجم المدارس وتخطف النساء وتعذب الناس وتقتلهم على خلفية طائفية بهدف إشعال حرب طائفية على غرار ما حصل في العراق»، مؤكدة أن «المسيحيين ليسوا وحدهم المستهدفين في سوريا بل جميع العلمانيين ومن يؤمنون بالتعايش بين الأديان».
وعن تشكيل «المجلس الوطني السوري» في اسطنبول مؤخرا، قالت شعبان إن «المعارضة التي اجتمعت في اسطنبول وشكلت هذا المجلس مؤلفة في غالبيتها من الإخوان المسلمين». وأضافت ان هؤلاء المعارضين «لا يفقهون شيئا عن البلاد، إنهم لا يقيمون هنا وليسوا على احتكاك بالواقع والشعب السوري»، مكررة «رفض أي معارضة تؤيد تدخلا أجنبيا». ودعت «أصدقاءنا الأتراك، لان تركيا جارتنا وصديقتنا، إلى إعادة النظر في موقفهم غير المستند إلى وقائع»، مشددة على أن «عملية الإصلاح مستمرة ولكن ينبغي إعطاؤنا وقتا».
ونقلت وكالة (سانا) عن متحدث باسم وزارة الخارجية السورية قوله إن «سوريا إذ تشد على أيدي الدول التي مارست الفيتو لمنع استهدافها من منبر مجلس الأمن، تقدر مواقف الدول الممتنعة عن التصويت وترى في ذلك رداً للاعتبار لمفهوم التصويت والفيتو في مجلس الأمن بعد أن كان مجلس الأمن بنظر الشعوب مع تشريع احتلال العراق وحماية العدوان الإسرائيلي المستمر على شعب فلسطين والبلاد العربية مصدراً للقلق والرعب من قرارات تعد في الغرف السوداء لتمكين الدول المهيمنة من التحكم بمستقبل الشعوب وقهر إرادتها».
وأضاف أن «العالم القائم على التوازن والعدل بات أمنية غالية لكل شعوب العالم، وأن نظاماً عالمياً جديداً قائماً على هذه القيم يستحق الثبات وتكرار المثال والتجربة، وسيكون موضع أمل وتقدير واحترام كل شعوب العالم التواقة للتحرر من عبودية القطب الواحد، وتحرير الأمم المتحدة من وصمة وصاية المستعمرين الجدد عليها كما تحولت عصبة الأمم قبل اندثارها».
وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، «لسنا محامي الدفاع عن نظام الأسد». وأضافت «ستستمر روسيا في دعوة القيادة السورية إلى الإسراع بتنفيذ الإصلاحات والإفراج عن المدنيين الذين تم اعتقالهم خلال الاضطرابات، وتحريك الحوار مع المعارضة السياسية وإفساح المجال واسعا لدخول وسائل الإعلام الدولية إلى البلاد وتنشيط التعاون مع جامعة الدول العربية، وفي الوقت نفسه ندعو المعارضة أيضا إلى عدم رفض المشاركة في الحوار الوطني وإلى نبذ سيناريوهات التدخل العسكري الخارجي. وسوف نستمر في شرح موقفنا خلال اللقاءات المرتقبة مع ممثلي المعارضة السورية». وأضافت «لا يمكننا أن نتجاهل أن المعارضة المتطرفة تستغل أكثر فأكثر استياء جزء من السكان ولا تخفي نواياها المتطرفة بالانتقال إلى تكتيك الإرهاب المفتوح».
وحول الدوافع وراء اعتراض موسكو على مشروع القرار في مجلس الأمن، قالت الوزارة إن «مشروع القرار بني على فلسفة تصعيد التوتر، وانحاز لإدانة طرف واحد هو دمشق، وتضمن تهديدا بفرض عقوبات على السلطات السورية، وهو موقف يتنافى مع مبدأ التسوية السلمية».
وأشارت إلى أن «من صاغ مشروع القرار رفض تضمينه دعوة اقترحتها روسيا إلى ضرورة أن تتنصل المعارضة السورية من المتطرفين وعدم جواز التدخل العسكري الخارجي». وأكدت أن «موسكو كانت قد أعلنت مرارا أنها ستتصدى لمحاولات جعل سيناريو ليبيا نموذجا يحتذى به»، مشيرة إلى أن «الغرب يقول إن تنفيذ حلف شمال الأطلسي لقرارات مجلس الأمن بشأن ليبيا يمثل نموذجا يحتذى به لقيام الحلف بمزيد من الأعمال الأمنية في المستقبل».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش «ننوي استقبال وفدين من المعارضة السورية في تشرين الأول، احدهما يمثل معارضة الداخل الموجودة في دمشق والثاني يمثل المعارضة التي أسست ما سمي المجلس الوطني في اسطنبول». واعتبر ان «الدعوات الى تحويل ما حصل في ليبيا بعد قرارات لمجلس الأمن نموذجا للتحالف الغربي والحلف الأطلسي للتعامل مع الأزمات، أمر غير مقبول تماما بالنسبة الى روسيا».
وفي بكين، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ما زاوتشو، في بيان، «نأمل أن تساهم تحركات مجلس الأمن الدولي في هذا الشأن في تخفيف التوتر في سوريا، وتشجع الحوار السياسي لنزع فتيل الخلافات والحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط». وأضافت «بعض الدول قدمت مشروع قرار للضغط بطريقة عمياء على سوريا وتهديدها حتى بعقوبات. وهذا لن يساعد على تحسين الوضع» في هذا البلد.
وحثت «كافة الأطراف في سوريا على إنهاء جميع أشكال العنف وتشجيع الحكومة على الوفاء بتعهداتها بالإصلاح». وقالت «ينبغي عليهم بدء عملية سياسية شاملة بقيادة سورية بأسرع وقت ممكن ودعم جهود المصالحة التي تقوم بها الدول والمنظمات الإقليمية».
ونددت الدول الغربية، التي كانت قدمت مشروع قرار يدعو إلى اتخاذ «تدابير محددة الأهداف» ضد دمشق، بالفيتو الروسي والصيني. وكانت أربع دول هي جنوب أفريقيا والهند والبرازيل ولبنان امتنعت عن التصويت.
وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن مجلس الأمن «أخلّ بمسؤولياته» بشأن الوضع في سوريا، مشيرة إلى أن على الصين وروسيا أن يفسرا موقفهما في الأمم المتحدة للشعب السوري.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، مارتن نيسيركي إن «الأمين العام يأسف لعدم تمكن مجلس الأمن من التوافق ويأمل بان يتجاوز انقساماته ويوجد حلا مشتركا للوضع» في سوريا. وأضاف ان بان «يرى ان العنف في سوريا غير مقبول ولا يمكن ان يستمر على هذا النحو، ويدعو المجتمع الدولي الى اتخاذ موقف والتحرك في شكل متجانس». وتابع ان بان «يعتقد ان لدينا واجبا أخلاقيا بمنع مزيد من إراقة الدماء وبمساعدة الشعب السوري لاخراجه من هذه الازمة».
وقال الامين العام لحلف شمال الاطلسي اندرس فوغ راسموسن، خلال اجتماع وزراء دفاع الحلف في بروكسل، إن الحلف «ليس لديه النية في القيام بأية عملية عسكرية في سوريا». وأضاف «إن حلف الناتو يدين بحزم استخدام العنف من قبل السلطات السورية ضد المتظاهرين السلميين». وتابع «أن الطريق الوحيد للمضي قدما في حل هذه القضية يتمثل في تلبية المطالب العادلة للشعب السوري».
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن إدارة الرئيس باراك أوباما ستبقي الضغط على النظام السوري. وقالت المتحدثة باسم الوزارة فيكتوريا نولاند إن «الولايات المتحدة ستواصل العمل مع اكبر عدد من الدول لزيادة الضغط على النظام السوري. ان عدد الدول المستعدة لتضييق الخناق على النظام يزداد وسيزداد. سنعمل معها».
وأضافت نولاند، ردا على الفيتو الروسي والصيني، «نعتقد بحزم أن التاريخ سيؤكد من كان على حق، ومن اتخذ الموقف غير الملائم خلال هذا التصويت». وتوقفت، على غرار المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس، عند «خيبة الأمل والغضب الكبيرين» حيال الموقفين الروسي والصيني. وتابعت «بعدما وقفت يوما تلو آخر ضد الاهانات والرصاص والتعذيب والاعتقالات، تم التخلي في هذا التصويت عن المعارضة السورية الشجاعة والسلمية في شكل واسع».
وقالت سوزان رايس، بعيد التصويت فجر امس، ان «الولايات المتحدة مستاءة بشدة من اخفاق المجلس تماما في محاولة التعامل مع تحد اخلاقي ملح وتهديد متنام للسلام الاقليمي». واضافت «اليوم، يستطيع شعب سوريا الشجاع ان يرى من يدعم تطلعاته الى الحرية وحقوق الانسان العالمية داخل هذا المجلس، ومن لا يقوم بذلك».
واعتبرت ان الدول التي رفضت القرار «تفضل بيع أسلحة للنظام السوري». وأضافت «الأزمة في سوريا ستبقى امام مجلس الامن ولن يهدأ لنا بال حتى ينهض هذا المجلس للاضطلاع بمسؤولياته».
وفي باريس، قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، في بيان، إن باريس ستواصل دعم «القضية العادلة للسوريين الذين يناضلون من أجل الحرية».
وفي لندن، قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، في مؤتمر المحافظين في مانشستر شمال غرب بريطانيا، ان «قرار روسيا والصين استخدام الفيتو والوقوف الى جانب نظام وحشي بدلا من الوقوف الى جانب الشعب السوري خطأ فادح ومؤسف». واضاف «سنضاعف جهودنا للعمل مع الامم الاخرى على زيادة الضغط على النظام في كل مكان نستطيع فيه القيام بذلك ونؤكد للشعب السوري اننا لن ننساه». ودعا نظيره الالماني غيدو فسترفيله، في بيان، الى مزيد من العقوبات على دمشق.
من جهته، قال رئيس «المجلس الوطني السوري» المعارض برهان غليون ان الفيتو الروسي- الصيني «سيشجع» اعمال العنف. وقال غليون، في باريس، ان «دعم بشار الاسد في مشروعه العسكري والفاشي لن يشجع الشعب السوري على البقاء في الثورة السلمية».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد