العقدة الليبية في جولة أوباما الأوربية

الجمل: بدأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما جولة دبلوماسية أوروبية، وذلك للتفاهم مع بعض القادة الأوروبيين حول التطورات الجارية في ملف العلاقات الثنائية مع واشنطن، إضافة إلى ملفات الاحتجاجات الشرق أوسطية وكيفية اعتماد موقف موحد لجهة التعامل معها، فما هي طبيعة فعاليات جولة أوباما الأوروبية، وإلى أي مدى سوف يتحقق النجاح في التفاهمات لجهة إدارة الحراك الجيو ـ سياسي الشرق أوسطي على النحو الذي يعزز المصالح الأمريكية ـ الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط؟

* جدول أعمال جولة الرئيس أوباما الأوروبية: توصيف المعلومات الجارية

تحدثت التقارير الجارية عن بدء فعاليات جولة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في القارة الأوروبية، وفي هذا الخصوص تشير المعلومات الجارية على النحو الآتي:

·       نطاق الزيارة: سوف يغطي نطاق الزيارة أربعة دول أوروبية هي: إيرلندا ـ بريطانيا ـ فرنسا ـ وبولندا. وسوف تستغرق الزيارة ستة أيام بدءاً من يوم الثلاثاء 24 أيار (مايو) وحتى يوم 29 أيار (مايو) 2011م.

·       فترة الزيارة: سوف تستغرق الزيارة ستة أيام، وقد بدأت فعالياتها يوم أمس الثلاثاء 24 أيار (مايو) 2011م بحيث تستمر حتى نهاية يوم 29 أيار (مايو) 2011م.

هذا، وتقول التقارير والتسريبات، بأن أبرز الخطوط العامة للزيارة سوف تتضمن النقاط الآتية:

·       التفاهم حول ملف الأزمة السياسية والعسكرية الليبية.

·       التفاهم حول ملف ما أطلق عليه الخبراء الأمريكيين تسمية "ربيع الثورات العربية".

·       التفاهم حول كيفية تقديم الدعم للأنظمة الجديدة في كل من تونس ومصر.

·       التفاهم حول ملف نشر شبكات بطاريات الدفاع الصاروخي.

وأضافت التقارير والتسريبات، بأن أهم محطات جولة أوباما الأوروبية سو يتمثل في الآتي:

·       المحطة البريطانية: سوف تتضمن وضع الخطوط النهائية للموقف البريطاني ـ الأمريكي الموحد، من أجل التركيز على العلاقة الخاصة البريطانية ـ الأمريكية، هذا الموقف الموحد بحيث تسعى بريطانيا إلى تبني الموقف الأمريكي داخل الاتحاد الأوروبي وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بملف عملية سلام الشرق الأوسط وملف سوريا، وملف مجموعة الثمانية، وملف مجموعة العشرين، وملف العلاقات البريطانية ـ الروسية.

·       المحطة الفرنسية: سوف تتضمن عدداً من الفعاليات، أبرزها: التفاهم مع الرئيس الفرنسي ساركوزي حول كيفية توحيد المواقف إزاء ملف ليبيا، وملف سوريا، وملف عملية سلام الشرق الأوسط، وملف مجموعة الثمانية، وملف مجموعة العشرين، وملف العلاقات الفرنسية ـ الروسية.

·       المحطة البولندية: سوف يتفاهم مع الزعماء البولنديين حول توحيد المواقف الأمريكية ـ البولندية خلال المرحلة القادمة التي سوف تتولى فيها بولندا رئاسة الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى التفاهم مع البولنديين حول ضرورة الإلحاح لجهة المطالبة بعضوية حلف الناتو.  طالما أن أمريكا سوف تلتزم بحماية بولندا من أي محاولات بواسطة موسكو لاستعادة النفوذ الروسي على بولندا.

هذا، وتقول التسريبات، بأن الأكثر أهمية سوف يتمثل في لقاء الرئيس الأمريكي أوباما مع الرئيس الروسي ميدفيديف، والذي سوف يتم في العاصمة الفرنسية باريس، حيث سوف يشارك الرئيسان في فعاليات قمة مجموعة الثمانية التي سوف تنعقد في العاصمة الفرنسية باريس باعتبار أن فرنسا تتولى حالياً الرئاسة الدورية لمجموعة الثمانية وأيضاً مجموعة العشرين.

* جدول أعمال زيارة أوباما الأوروبية: الأبعاد غير المعلنة

تحدثت التسريبات الأمريكية، عن وجود العديد من الأبعاد غير المعلنة في زيارة أوباما الأوروبية، وفي هذا الخصوص أشارت هذه التسريبات إلى الآتي:

·       بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط: سوف تسعى واشنطن إلى بناء الإجماع مع قادة مجموعة الثمانية في قمة باريس، (كندا ـ فرنسا ـ ألمانيا ـ إيطاليا ـ اليابان ـ روسيا ـ بريطانيا ـ إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية) وذلك حول ضرورة اعتماد نفس المواقف الأمريكية إزاء سوريا وليبيا ـ دعم تونس ومصر ـ التعاون مع واشنطن في عملية إنفاذ برنامج نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط ـ التوصل إلى موقف محدد داخل اجتماع قمة العشرين، بحيث تلتزم دول مجموعة الثمانية بتبني رأي موحد عندما تتطرق مجموعة العشرين لمناقشة نفس هذه القضايا.

·       بالنسبة لروسيا: سوف تسعى واشنطن إلى عقد صفقة مع موسكو، بحيث تقدم واشنطن لموسكو بعض التنازلات في ملف الدرع الصاروخي، وملف اتفاقية ستارت الجديدة المتعلقة بخفض الأسلحة الاستراتيجية مقابل أن تقدم موسكو التنازلات لصالح أمريكا في الملفات الشرق أوسطية.

·       بالنسبة للاتحاد الأوروبي: سوف تسعى واشنطن من أجل إقناع فرنسا وبريطانيا لجهة العدول عن رأيهما الداعم لملف إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد داخل الأمم المتحدة، خاصة أن باريس ولندن قد سبق و أكدتا لواشنطن بأن إسرائيل إن لم تقدم التنازلات المطلوبة لجهة استمرار المفاوضات مع الفلسطينيين، فإن باريس ولندن سوف تؤيدان إعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أما بالنسبة لألمانيا، فإنها قد سبق وأكدت على نفس الموقف الإيطالي الرافض للاعتراف بالدولة الفلسطينية داخل الأمم المتحدة، وفقط سوف تركز واشنطن على حث ألمانيا بضرورة دعم عمليات حلف الناتو الجارية حالياً ضد ليبيا، إضافة إلى ضرورة القيام بتقديم الدعم المالي اللازم لإنقاذ الاقتصاد اليوناني والاقتصاد البرتغالي، إضافة إلى الاقتصاد الإيرلندي، أما بالنسبة لزيارة العاصمة البولندية وارسو، فتقول التسريبات بأن زيارة أوباما قد تم التخطيط  لها بحيث تكون متزامنة مع انعقاد قمة رؤساء دول وسط وشرق أوروبا، وتقول التقارير بأن أوباما سوف يعقد اجتماعاً جماعياً مع 20 زعيماً أوروبياً وسوف يسعى من خلال هذا الاجتماع إلى الحصول على دعمهم في ملف نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط، وأيضاً ملف إعادة إحياء فعاليات العلاقات مع أمريكا، وذلك لأن معظم دول شرق أوروبا، كما تقول التسريبات، قد بدأت أكثر اهتماماً لجهة التحول للتعامل مع موسكو بدلاً من واشنطن التي لم تقدم لهم شيئاً سوى الوعود الكثيرة.

* جولة أوباما الأوروبية: أبرز حسابات الفرص والمخاطر

التدقيق الفاحص في أجندة وبنود أعمال جولة أوباما الأوروبية، يمكن أن يكشف لنا عن أن نتائج هذه الزيارة سوف تشكل نقطة الارتكاز الرئيسية في مستقبل توجهات السياسة الخارجية الأمريكية، وعلى وجه الخصوص بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية:

·        أولاً: على جانب الفرص: من الواضح أن واشنطن تسعى إلى تعزيز النقاط الآتية:

ـ توحيد المواقف الأوروبية لجهة التعاون مع واشنطن في إدارة ملف الأزمة السياسية الليبية، وذلك لأن بريطانيا وفرنسا تتبنيان موقفاً متشدداً لجهة القيام بالتدخل العسكري في ليبيا، وواشنطن، وإن كانت تسعى إلى تفادي هذا التدخل في هذا الوقت فإنها لم تعد تخفي أطماعها لجهة الانفراد بالسيطرة على ليبيا، وبالتالي فإن التركيز الأمريكي على حث فرنسا وبريطانيا لجهة إرجاء عملية التدخل العسكري الكامل في ليبيا هو أمر سوف يتيح لواشنطن كسب الوقت إلى حين لملمة أطرافها والانفراد لاحقاً بالسيطرة على ليبيا.

ـ توحيد المواقف الأوروبية مع الموقف الأمريكي إزاء سوريا وإيران، وعلى وجه الخصوص لجهة القيام بممارسة الضغوط على تركيا لكي تلتزم بالوقوف إلى جانب الأمريكيين والأوروبيين، وذلك بما يتيح تصعيد استهداف دمشق وطهران، عن طريق عقوبات دولية متعددة الأطراف.

ـ توحيد المواقف الأوروبية مع الموقف الأمريكي بخصوص مشكلة إعلان الدولة الفلسطينية داخل الأمم المتحدة، بما يتضمن إما الرفض أو على الأقل المطالبة بتأجيل النقاش داخل الجمعية العامة لموضوع الدولة الفلسطينية إلى وقت لاحق.

ـ إقناع موسكو بالوقوف إلى جانب وجهات النظر الأمريكية في ملفات الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص في مجلس الأمن الدولي، بحيث تلتزم موسكو إما بالتصويت لجانب الموقف الأمريكي أو على الأقل الامتناع عن التصويت.

·       ثانياً: على جانب المخاطر: من الواضح أن واشنطن سوف تواجه المخاطر الآتية:

ـ إذا سعت فرنسا وبريطانيا لجهة التشدد من أجل الإسراع بالعملية العسكرية ضد ليبيا فإن واشنطن سوف تجد نفسها متورطة في مخاطر حرب إقليمية ثالثة، قبل أن تنهي حرب العراق وحرب أفغانستان، وفي نفس الوقت إذا سعت واشنطن إلى عدم المشاركة بالدور الرئيسي، فإن وقوع ليبيا تحت السيطرة الفرنسية ـ البريطانية، سوف يؤدي إلى وقوع مخزونات النفط والغاز الليبي في أيدي شركة بريتيش بتروليوم البريطانية وشركة توتال الفرنسية، مع ملاحظة أن واشنطن قد سبق أن أضعفت الشركة البريطانية عن طريق استغلال فضيحة تسرب النفط في خليج المكسيك بما أدى إلى التزامها بدفع تعويضات بلغت مليارات الدولارات الأمر الذي أضعف موقف الشركة البريطانية أمام الشركات النفطية الأمريكية في الأسواق العالمية. ونفس الشيء بالنسبة لشركة توتال الفرنسية، والتي سعت واشنطن إلى إخراجها من إيران بعد أن وعدت قصر الإليزيه بتقديم الاستثمارات الأمريكية. ولكن بعد خروج توتال الفرنسية من إيران، لم تقدم واشنطن شيئاً لباريس، وتركت ساركوزي يواجه الإضرابات والمظاهرات.

ـ إذا لم تتوحد المواقف الأوروبية مع الموقف الأمريكي إزاء إيران وسوريا، فإن واشنطن سوف تكون مواجهة بمخاطر فشل سياساتها الشرق أوسطية، الأمر الذي سوف يجعلها تواجه مخاطراً أخرى داخلية، بواسطة رموز وجماعات اللوبي الإسرائيلي الذين يقومون حالياً بشن الحملات ضد إدارة أوباما ويتهمونه بالضعف في مواجهة سوريا وإيران، و أيضاً بعدم المصداقية لأن الإدارة الأمريكية سبق أن أكدت على ضرورة بناء تحالف دولي واسع لجهة دعم مواقف البيت الأبيض إزاء إيران ولاحقاً سوريا.

ـ إذا لم تنجح واشنطن في منع الأوروبيين من القيام بالاعتراف بالدولة الفلسطينية داخل الأمم المتحدة، فإن السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية سوف تدخل في أكثر المنعطفات حرجاً في تاريخها المعاصر، وذلك لأن تبلور مشروع الدولة الفلسطينية داخل الأمم المتحدة، سوف يؤدي إلى إضعاف قدرات الدبلوماسية الأمريكية الداعمة لإسرائيل إضافة إلى أن الأمر سيفسح المجال واسعاً أمام وجود علاقات دبلوماسية فلسطينية دولية، وإضافة لذلك سوف تواجه الإدارة الأمريكية المزيد من الانتقادات الداخلية التي تتهم الإدارة الأمريكية بالضعف والتهاون إزاء حماية إسرائيل داخل الأمم المتحدة.

ـ إذا لم تنجح واشنطن في استعادة الثقة والمصداقية مع دول شرق أوروبا، فإنها ستواجه مخاطر قيام تحالف روسي ـ شرق أوروبي لن يؤدي سوى إلى مخاطر تراجع النفوذ الأمريكي في القارة الأوروبية، إضافة إلى إغراء ألمانيا وحلفاءها الأوروبيين الآخرين مثل النمسا والدانمارك وفنلندا والسويد والنرويج، وربما إيطاليا لجهة القيام بتطوير العلاقات والروابط مع موسكو من جهة وإضعاف العلاقات والروابط مع واشنطن من الجهة الأخرى.

ـ إذا لم تنجح واشنطن في بناء الإجماع داخل قمة مجموعة الثمانية فإنها ستواجه مخاطر انفلات الأمر داخل قمة مجموعة العشرين، وبالتالي لن تستطيع على الأقل خلال العام القادم إنفاذ عملية ضبط التوازنات الدولية عن طريق السيطرة عليها بواسطة مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين، وهذا بدوره سوف يدفع واشنطن إلى مخاطر تحمل أعباء القيام باستخدام الأساليب المنفردة، لجهة القيام بضبط التوازنات الدولية، الأمر الذي سيعرض الدبلوماسية الأمريكية إلى المزيد من الإجهاد، ويكبد الميزانية الأمريكية المبالغ الطائلة لجهة إنفاقها ضمن بنود المعونات والمساعدات الأمريكية التي ظلت واشنطن تستخدمها كوسيلة لكسب المواقف واسترضاء الأطراف الدولية.

بدأت جولة الرئيس الأمريكي باراك أوباما نهار الأمس بزيارة إيرلندا، واليوم أوباما  في لندن، وبعد ذلك سيذهب إلى باريس، وبعدها إلى وارسو البولندية. هذا، وبرغم صعود شعبية أوباما داخل أمريكا بعد اغتيال أجهزته للمواطن السعودي أسامة بن لادن، فإن الحفاظ على مستوى هذه الشعبية يظل أمراً فاقد المصداقية إذا لم ينجح أوباما في تحقيق المهمة الصعبة الجارية حالياً في الساحة الأوروبية!

الجمل: قسم الدراسات والترجمة