(الجمل) ترصد المشهد الجيوسياسي خلال الأيام الثلاثة الأولى من 2007
الجمل: ينظر الجغرافيون إلى العالم باعتباره يتكون من قارات وبحار ومحيطات، وينظر السياسيون إلى العالم باعتباره يتكون من دول وتكتلات ومنظمات.. وهكذا كلما تعددت الاختصاصات تعددت بالمقابل الرؤية إلى العالم، وفي هذا الصدد نقول: ينظر خبراء الصراعات والنزاعات إلى العالم باعتباره يتكون من مناطق هادئة، سهلة الانقياد، ومناطق ساخنة مضطربة صعبة الانقياد.
حاولت جميع صحف العالم المقروءة والمسموعة تقديم خارطة العالم على أساس اعتبارات مناطق الصراع والهدوء، وبدورنا نحاول في صحيفة الجمل الالكترونية أن نرسم خارطة تقريبية تصف المشهد الجيو سياسي العالمي خلال الأيام الثلاثة الأولى من عام 2007م، وفقاً للاعتبارات المتعلقة بـ:
- متغير الأهمية الجيوبولوتيكية، الذي يقوم على اعتبارات معايرة وزن القوة الكلية.
- متغير الاهمية الجيوستراتيجية الذي يقوم على اعتبارات أهمية المكان في الصراعات.
أبرز الأماكن التي تتطابق مع وصف (مناطق ساخنة) هي:
• العراق: وتشير آخر التطورات الميدانية في العراق إلى الآتي:
انقسام شعبي على أساس ثلاثة خطوط، الأكراد يتربصون انتظاراً لاقتناص اللحظة المناسبة لإعلان استقلال كردستان.. والشيعة في الجنوب يعملون من أجل السيطرة بالكامل على العراق وإعلانه دولة شيعية على غرار النموذج الإيراني.. والسنة في الوسط يحاولون الإبقاء على نفوذهم.
وتتقاطع المصالح الإقليمية والدولية على أساس قاعدة اللعب على الخطوط الثلاثة، فأمريكا تحاول إبقاء نفوذها عن طريق:
- دعم الأكراد.
- عدم مواجهة الشيعة بما يتيح لها الاستفادة من توجيه حركة الحكومة العراقية.
- قمع السنة.
وإيران تعمل على أساس دعم الشيعة، وفي الوقت نفسه استخدامهم كعنصر تهديد أمام الوجود الأمريكي في العراق.. على نحو يردع أمريكا أو إسرائيل من مغبة القيام بضرب إيران.
الأتراك يستخدمون قوة الردع الرمزي، عن طريق التلويح بسيف الجيش التركي المسلول والمستعد من أجل القضاء على أي كيان كردي مستقل يتم الإعلان عنه.
سوريا سوف تواجه المزيد من الضغوط حول العراق، والأردن سوف تقل أهميتها في التأثير على الملف العراقي، أما السعودية والكويت وبقية بلدان الخليج فسوف تتعرض للمزيد من عمليات الابتزاز المالي الأمريكي، بما يترتب عليه إجبار أمريكا لها بتحمل كامل نفقات الحرب الأمريكية في العراق.
• إيران: سوف تزداد الضغوط الدولية المفروضة عليها، وما هو أكثر خطورة يتمثل ليس في التداعيات الاقتصادية المتوقع حدوثها من جراء فرض العقوبات، وإنما هو تأثير التداعيات الاقتصادية على الأوضاع الداخلية: التماسك المجتمعي، الوحدة الوطنية، الرأي العام الداخلي... وغير ذلك، وقد ثبت بالتجربة القاطعة أن تطبيق العقوبات الدولية يؤدي إلى تفجير الخلافات الداخلية، وتعزيز موقف قوى المعارضة، خاصة المعارضة السياسية الخارجية المدعومة بواسطة القوى الكبرى الأجنبية، لذلك فإن التوقعات تقول: إن إيران سوف تواجه في حالة تصاعد العقوبات ضدها، أنشطة متزايدة من جانب المعارضة الإيرانية، مثل: حركة مجاهدي خلق، والحركات الانفصالية الأذرية المتمركزة في شمال إيران، وحركات المقاومة العربية من منطقة عربستان، والحركات السنية المتمركزة في منطقة خوزستان الإيرانية المجاورة لخوستان الباكستانية والتي تشكل امتداداً لمناطق القبائل الممتدة على طول الحدود الباكستانية الأفغانية.. كذلك سوف يؤدي تدخل إيران المتزايد في العراق إلى جانب جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، وفيلق بدر التابع للحكيم، إلى المزيد من عداء سكان وسط العراق والسعودية والأردن والبادية السورية، على النحو الذي يمكن أن يؤدي إلى خلق رأي عام عربي مضاد لإيران في المنطقة العربية، يساهم في عزل إيران.. إضافة إلى أن أعداء إيران الرئيسيين مثل أمريكا وإسرائيل سوف يسعون لاستغلال تداعيات التورط الإيراني في العراق باتجاه استهداف إيران، والتي لن يغفر لها تواطؤ جيش المهدي وفيلق بدر مع قوات الاحتلال الأمريكي الموجودة حالياً في العراق.. وذلك لأنه إذا تأكد فعلاً أن إيران تقوم بتطبيق اللعبة الخطرة المزدوجة القائمة على التواطؤ مع قوات الاحتلال الأمريكي الموجود في العراق عن طريق قوى الـ(بروكسي) الشيعية العراقية، وقطع الطريق أمام سوريا من الإسهام في دعم استقرار واستقلال العراق.. فإن إيران تكون قد شوهت وأحرقت الصورة الجميلة التي استحقتها عن جدارة بعد حرب الصيف الماضي بين إسرائيل وحزب الله.
• أفغانستان: الأطراف الموجودة حالياً في الصراع الأفغاني هي:
- القوات الأمريكية
- قوات الناتو
- حركة طالبان
- تنظيم القاعدة
- ميليشيات مناطق القبائل
- الحكومة الأفغانية
• شرق المتوسط: وتتضمن المنطقة مثلث: دمشق- بيروت- فلسطين، وهو المثلث الأكثر تعقيداً في المنطقة كلها، وذلك لأنه يمثل صراعاً ممتداً يتكون من منظومة من الصراعات، التي تتجمع مشكّلة عنقوداً مركّباً:
- في فلسطين: الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي (الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي).
- في لبنان: الصراع السياسي الداخلي (قوى 14 آذار في مواجهة المقاومة الوطنية).
- في سوريا: الصراع العربي- الإسرائيلي- الأمريكي (صراع الإرادة العربية في مواجهة الإرادة الإسرائيلية- الأمريكية).
يمثل صراع فلسطين بؤرة منطقة شرق المتوسط، ويمثل صراع لبنان البؤرة الفرعية، أما صراع سوريا فيمثل الإطار الكلي لحركة الصراع في المنطقة.
كذلك تترابط الصراعات الفرعية في هذه المنطقة ضمن:
- إطار بيني جزئي: وفيه تتفاعل الصراعات مع بعضها البعض، وعلى سبيل المثال: لا يمكن الفصل بين أسر حزب الله للجنود الإسرائيليين، عن قيام حماس بأسر الجندي الإسرائيلي، كذلك لا يمكن الفصل بين امتداد إسرائيل ضد جنوب لبنان واعتدائها على قطاع غزة.
- إطار نظامي كلي: كل الصراعات الجزئية والقائمة على أساس اعتبارات: قضايا قطاع غزة- الضفة، قضايا جنوب لبنان، قضية الجولان، تدخل ضمن الإطار الكلي النظامي لحركة الصراع الذي تمثله دمشق.
بدأت أمريكا عملية انسحاب غير معلن من الساحة الأفغانية وذلك عن طريق تطبيق استراتيجية (التملص) والانفكاك التدريجي وإلقاء المسؤولية على قوات الناتو.
وحالياً تواجه قوات الناتو المخاطر المزايدة على خلفية تزايد حيوية حركة طالبان ونشاط مقاتلو القاعدة والميليشيات الإسلامية الأخرى في منطقة جنوب آسيا (شبه القارة الهندية)، وآسيا الوسطى.
أما الحكومة الباكستانية فقد اعتمدت استراتيجية الانسحاب غير المعلن عن المسرح الأفغاني، وذلك بتوقيع اتفاقيات السلام مع القوى والفصائل الباكستانية المسلحة الموجودة في منطقة: خوزستان الباكستانية، وزيرستان الباكستانية، ومناطق القبائل المتاخمة للحدود مع أفغانستان.. ولما كانت القوات الباكستانية المسلحة تتدخل في الصراع الأفغاني عن طريق شن الحملات العسكرية الهادفة لتمشيط هذه المنطقة، فإن توقيع اتفاقيات السلام مع فصائل هذه المنطقة يهدف ضمن الإطار المعلن إلى تحقيق التسوية والمصالحة الوطنية، فإنه ضمن الإطار غير المعلن معناه أن باكستان لن تقوم بتنفيذ أي عمليات عسكرية في هذه المناطق، وهذا معناه تزايد نشاط حركة طالبان وتنظيم القاعدة وغيرهما في أفغانستان.
وإزاء الانسحاب الأمريكي والباكستاني غير المعلن من المسرح الباكستاني، فإن قوات الناتو وحكومة كرزاي الأفغانية سوف تجدان نفسهما قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة على يد مقاتلي طالبان والقاعدة.
وتدرك أمريكا وإسرائيل جيداً حقيقة أن دمشق تمثل إرادة الصراع، وبالتالي تحاول أمريكا وإسرائيل القيام بعملية تفكيك دمشق، وصولاً لتفكيك ماكينة الصراع الكلي، ولكنهما لا تفهمان أن منطق حركة التاريخ لا يمكن صناعته وإعداده داخل مراكز الدراسات والبحوث، بل الشارع الشعبي هو الحامل الحاسم الوحيد حصراً، وقد أثبتت معطيات الخبرة التاريخية بشكل قاطع أن الظلم والعدوان لن يزيدا الشعوب إلا قوة وصلابة في الدفاع عن حقوقهما.
• القرن الافريقي: إذا كانت حرب العراق هي حرب النفط، فإن حرب الصومال هي حرب السيطرة على الممرات والمواقع الاستراتيجية الأكثر خطورة في العالم على أساس اعتبارات أن من يسيطر على سواحل الصومال (تمتد أراضي الصومال على هيئة مسطبة بحرية تطل على المحيط الهندي والبحر الأحمر) يسيطر على حركة الملاحة البحرية بين قارات العالم الثلاث، وأيضاً على منطقة بحر العرب والخليج العربي، وحالياً تعمل أمريكا وإسرائيل باتجاه تدعيم اثيوبيا للقيام بدور الوكيل الذي يفرض الإرادة الأمريكية- الإسرائيلية على بلدان منطقة القرن الافريقي.
ونلاحظ أن أمريكا وإسرائيل قد قررتا التخلي عن دعم ارتيريا برغم تقديمها الكثير من المساعدات لإسرائيل وأمريكا في الفترة الماضية.. وعلى ما يبدو فإن تخلي أمريكا وإسرائيل عن ارتيريا يكمن في أن اثيوبيا تتمتع بمزايا أكثر فائدة لهما عن ارتيريا مثل عدد السكان الكبير، ارتباك الكنيسة الأثيوبية بالحاخامات الإسرائيليين والأفكار التلمودية اليهودية، إضافة إلى أن عدد سكان اثيوبيا البالغ 60 مليون مقارنة بـ3 ملايين ارتيري.
كذلك من اثيوبيا يمكن الانطلاق والوصول إلى كل دول القرن الافريقي، وذلك لأن لأثيوبيا حدوداً مشتركة مع كل دول القرن الافريقي وهو أمر لا يتاح لأرتيريا.
• السودان: الصراع داخل السودان أصبح على هيئة مثلث يتكون من:
- دارفور
- جنوب السودان
- الحكومة المركزية
العام القادم هو العام الذي سوف يحدد مسار المؤشرات الرئيسية المتعلقة بانفصال جنوب السودان، وذلك لأن المنطقة الغنية بالنفط (منطقة أبيي) سوف يتم إجراء استفتاء شعبي بين سكانها لحسم تبعيتها، للشمال أم للجنوب، وسوف يجري الاستفتاء في منتصف العام 2007م الحالي.. وحالياً تسعى أمريكا وإسرائيل والقوى الانفصالية الجنوبية لإقناع السكان بالتصويت للانضمام لجنوب السودان، وتسعى القوى الوحدوية الأخرى لإفشال هذه المؤامرة. وإذا اختار سكان أبيي الانضمام لجنوب السودان، فإن احتمال انفصال جنوب السودان سوف يصبح بنسبة 70%، أما إذا اختار السكان الانضمام لشمال السودان فإن احتمال انفصال الجنوب سوف ينخفض لحوالي 30% فقط.
وبالنسبة لصراع دارفور يمكن القول: إذا كانت حرب العراق هي حرب النفط، فإن حرب دارفور هي حرب اليورانيوم، حيث تؤكد التقديرات الأولية وجود 6 ملايين طن يورانيوم خام ضمن مخزونات منطقة جبل مرة، ومن يسيطر على دارفور يكون قد سيطر على احتياطي يورانيوم يكفي لصناعة نصف مليون قنبلة نووية من النوع الذي ألقي على هيروشيما، وحتى الآن لا خطورة من انفصال دارفور، لأن عدد المتمردين لا يتجاوز 10 آلاف عنصر مقارنة بعدد سكان دارفور الكلي البالغ 6 ملايين نسمة، وإجمالي عدد الجيش السوداني الذي يفوق 700 ألف مقاتل، إضافة إلى الاحتياطي، ولكن المشكلة تتمثل في التصعيدات التي تهدف إليها عملية الوجود الأجنبي، ووضع الإقليم تحت يد القوات الدولية.
التوقعات تقول: إن الصراع في دارفور سوف يحتدم هذه المرة بين ميليشيات السكان المحليين والقوات الدولية، أما القوات الأفريقية، فربما تنسحب ويصبح الإقليم ساحة مواجهة حرة بين مختلف القوى المحلية والإقليمية والدولية.
هناك الكثير من مناطق العالم الساخنة الأخرى، مثل منطقة شبه الجزيرة الكورية، فنزويلا، كولومبيا، نيبال، نيجيريا، آسيا الوسطى، القوقاز، سيلان.. وغيرها.
ولكن منطقة الشرق الأوسط سوف تظل لفترة طويلة قادمة –على الأقل خلال عام 2007 الحالي- المنطقة الساخنة الرئيسية التي سوف تلقي تداعياتها ويتردد صدى أحداثها في المناطق الساخنة العالمية الأخرى.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد