"الإسلام الراديكالي"... بداية النهاية
مثلما كانت المطارق التي أطاحت بحائط برلين أداة لوضع حد للحرب الباردة في عام 1989، ربما تكون المظاهرات الشعبية التي هزت أركان طهران الآن، بداية لموت الإسلام الراديكالي وما يمثله من تحد أمني خطير للغرب. غير أن ذلك لا يعني البتة احتمال إزالة أجهزة الرقابة الأمنية وكشف المعادن المنصوبة في مطاراتنا في أي وقت قريب من الآن. ذلك أنه سيكون دائماً في وسع تنظيم "القاعدة" وما شابهه من المنظمات الإرهابية الأخرى، تدبير وتنفيذ هجمات إرهابية جديدة، حتى وإن ضعفت وانكسرت شوكتها.
وليست كل هذه الأيديولوجيا المسماة بـ"الإسلاموية" أو "الإسلام الراديكالي" عنيفة بالضرورة. وفيما لو ساد هذا الفكر في دول أخرى خارج حدود إيران، مثل المملكة العربية السعودية ومصر وباكستان، فسوف يكون في وسع الإسلاميين المتطرفين استقطاب المزيد من الموارد المالية والبشرية، إلى جانب الحصول على المزيد من المتفجرات والوسائل الهجومية.
ولكن من حسن الطالع أن هذا هو عين سيناريو الكابوس الذي بدأ الانحسار للتو. فحتى إذا ما نجح النظام الإيراني في فرض النتائج الانتخابية الأخيرة التي أعيد بموجبها انتخاب الرئيس نجاد. والمعروف عن غالبية الإيرانيين تبجيلهم للخميني. لكن ما أن أعلن خلفه "آية الله خامنئي" تأييده لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حتى خرج مئات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع، منددين بمرشحه بهتافات قاسية.. وفيما لو انحسر نفوذ النظام الحالي ، فسوف يوجه ذلك ضربة قوية للإسلام الراديكالي على نطاق تياره العالمي. فعلى رغم عمق الجذور التاريخية لهذا التيار، فإنه لم يتحقق نفوذه السياسي إلا عقب اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979. كما تمثل خطوة كهذه امتداداً لسلسلة آخر الضربات والانتكاسات التي مر بها تيار الإسلام الراديكالي. ذلك أن نتائج الانتخابات الأخيرة التي أجريت في عدد من دول العالم الإسلامي، كشفت عن تراجع واضح لهذا التيار، قياساً إلى الصعود الذي حققه مرشحوه في الانتخابات المصرية لعام 2005 وحركة "حماس" في الانتخابات الفلسطينية التي أجريت في يناير 2006.
وتعود بداية سلسلة الانحسار هذه إلى الانتخابات البرلمانية التي أجريت في المغرب عام 2007. فهناك تمكن "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي المعتدل من تحقيق مكاسب سياسية كبيرة خلال السنوات الخمس الماضية. وكان متوقعاً له أن يحقق مكاسب شبيهة في انتخابات عام 2007، إلا إنه لم يحصل إلا على نسبة 14في المئة فحسب من جملة أصوات الناخبين، ليحتل بذلك المرتبة الثانية بعد حزب محافظ مؤيد للقصر الملكي.
وفي العام نفسه، اتجه الناخبون الأردنيون إلى صناديق الاقتراع، حيث تمكنوا من إلحاق أشد الهزائم وأكثرها إيلاماً لـ"جبهة العمل الإسلامي" منذ أن أعاد البلاط الملكي النظام البرلماني في عام 1989، وفقاً لتقرير صحفي نشرته صحيفة "واشنطن بوست". فلم يكن نصيب الحزب سوى 6 مقاعد من جملة المقاعد الـ22 المتنافس عليها، مع العلم أن نصيبه من مقاعد البرلمان السابق كان 17 مقعداً.
وفي المقابل تبدو باكستان تربة خصبة لنمو الإسلام السياسي، بسبب تركيبتها السكانية القائمة على عدة انتماءات عرقية لا يجمع بينها شيء سوى الإسلام. لكن ومع ذلك، لم يتحسن أداء الإسلاميين فيها إلا في عام 2002. ففيه تمكن التيار الإسلامي من حصد نسبة 11 في المئة من جملة الأصوات بما يعادل 63 مقعداً من المقاعد البرلمانية، مستغلا قهر الجنرال برويز مشرف للقوى السياسية الرئيسية في البلاد. ولكن انحسر نفوذ الإسلاميين إلى نسبة 2 في المئة أي6 مقاعد فحسب من جملة مقاعد البرلمان البالغة 270 مقعداً، في انتخابات العام الماضي. بل أكثر من ذلك أطيح بالإسلاميين من السلطة في إحدى المحافظات الواقعة شمال غربي باكستان، مع العلم أنها كانت تمثل أحد أهم معاقل نفوذهم السياسي حتى وقت قريب جداً.
وفي أبريل الماضي، انحسر نفوذ الأحزاب الإسلامية التي انتزعت نسبة 39 في المئة في الانتخابات الإندونيسية التي جرت قبل أربع سنوات، إلى ما دون نسبة 30 في المئة، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وتفشي الفقر والجريمة خلال السنوات الأربع التي حكمت فيها الأحزاب المذكورة. ثم أجريت الانتخابات الكويتية في شهر مايو المنصرم. وكانت النساء الكويتيات قد نلن حق الاقتراع وتولي المناصب الدستورية والقيادية منذ عام 2005، إلا إنهن لم يتمكن عملياً من تحقيق الفوز بأي من تلك المناصب. وعلى رغم إصدار "التجمع الإسلامي السلفي" فتوى تحرم التصويت لصالح النساء المرشحات، فإنهن تمكن من انتزاع 4 مقاعد في مجلس الشورى الكويتي. ومما زاد طين الراديكاليين الإسلاميين بلةً هناك، تراجع تمثيلهم البرلماني من 21 مقعداً إلى 11 مقعداً.
ثم نصل أخيراً إلى لبنان حيث جرت انتخابات حامية الوطيس في بدايات الشهر الجاري، توقع الكثيرون فيها تحقيق فوز ساحق لـ"حزب الله" وحلفائه على تحالف 14 آذار الموالي للغرب. ولكن حدث العكس تماماً بفوز التيار الأخير وتحقيقه لأغلبية برلمانية واضحة.
بالطبع إن لكل معركة انتخابية قضاياها وديناميتها وخصوصيتها في كل دولة من الدول المذكورة. بيد أن نتائجها العامة تشير إلى انحسار واضح لنفوذ تيار الإسلام الراديكالي. وهي في الوقت نفسه تنسجم مع نتائج استطلاعات الرأي العام التي أجرتها مؤسسة "بيو العالمية" في العام الماضي. فقد توصلت تلك النتائج إلى تراجع نسبة تأييد المسلمين للتفجيرات الانتحارية خلال السنوات 2002-2008. فقد انحسرت نسب المسلمين الذين يؤيدون تلك التفجيرات من 74 في المئة إلى 32 في المئة في لبنان، ومن 33 إلى 5 في المئة في باكستان، ومن 43 إلى 25 في الأردن، ومن 26 إلى 11 في المئة في إندونيسيا.
ومن الواضح أن لهذا الانحسار انعكاساً واضحاً في دول مثل باكستان والعراق، نظراً لصدمة المواطنين من وحشية العمليات الإرهابية والدماء التي أريقت فيهما. وينطبق الحال نفسه على دول أخرى مثل الأردن ومصر، اللتين عانتا من مآسي هجمات الإرهاب المحلي. بيد أن أداء الإسلاميين في دول أخرى مثل أفغانستان والسودان وفي قطاع غزة، لم يعد جاذباً ولا مغرياً للكثيرين.
وهناك من يفسر هذا الانحسار بعدة عوامل، منها شبكة الإنترنت التي قربت شباب المسلمين أكثر من ذي قبل من قيم الحضارة الغربية وأبعدتهم عن نفوذ الإسلام الراديكالي. وهناك من يرده إلى تنامي النفوذ الأميركي، على نحو ما كشفت عنه تطورات الأحداث الأخيرة الجارية في إيران. وأياً تكن الأسباب، فإن من المؤكد أن الاضطرابات التي تعرض لها النظام الإيراني سيترك أثرها انحساراً واضحاً لنفوذ الإسلام الراديكالي إقليمياً ودولياً.
*جوشوا مورافيك
زميل بمعهد السياسات الخارجية التابع لكلية الدراسات العالمية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز.
الإتحاد الإماراتية - بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"
إضافة تعليق جديد