قوى الغرب تتحضر للهجوم على سوريا
إذا صدقت تسريبات البنتاغون الأميركي، سنستيقظ صباح غد، على وقع الصواريخ الأميركية العملاقة تعبر سماء لبنان والأردن وفلسطين باتجاه الأراضي السورية. «بنك الأهداف» شارك في تحديده الأميركيون، الإسرائيليون، الأردنيون، الأتراك وبعض المعارضة السورية.
ستنطلق صواريخ «توماهوك» أو «كروز» من منصات عملاقة فوق متن المدمّرات الأميركية الأربع «راميج»، «ماهان»، «غرافيلي» و«باري» المتمركزة في البحرين الأحمر والأبيض المتوسط. يقول الأميركيون إنهم اختاروا «أهدافاً محددة وموضعية» و«ليس على جدول أعمالهم إسقاط النظام».
بطبيعة الحال لن يكون بين أهدافهم المتوخاة لا مستودعات الأسلحة الكيميائية ولا المنصات الصاروخية الكيميائية. هم يريدون استهداف بعض مواقع السيطرة والتحكم بهذه الصواريخ. بعد ذلك، بساعات قليلة، سيعلنون رسمياً انتهاء «الموجة الصاروخية الأولى»، تاركين لدوائر البنتاغون والجيش الإسرائيلي مهمة تقييم الأضرار حتى يقرروا ما إذا كانوا سيقدمون على «موجة ثانية» ومن ثم ثالثة...
طلبوا من الدول العربية التغطية، فكان لهم ما أرادوا من السعودية ومن الجامعة العربية التي تلعثمت بسبب اضطرار أمينها العام نبيل العربي إلى مسايرة الموقف المصري الرافض لأية عملية عسكرية ضد سوريا.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بعد «استخدام السلاح الكيميائي المحرم بات الأمر يتطلب موقفاً دولياً حازماً وجاداً لوقف المأساة الإنسانية للشعب السوري»، معتبراً أن «النظام السوري فقد هويته العربية، ولم يعد ينتمي بأي شكل من الأشكال للحضارة السورية التي كانت دائماً قلب العروبة».
كذلك طلب الأميركيون من «هيئة التنسيق» وبعض رموز المعارضة السورية في الخارج، عدم توجيه انتقادات للعملية العسكرية، مع وعد جازم بأن العملية «ستكون قصيرة وسريعة.. لأن كل معطيات الميدان باتت جاهزة عملياً ولا ننتظر سوى الضوء الأخضر».
طلب الأميركيون من رعاياهم في المنطقة توخي الحذر. شمل التحذير بعض عملاء الـ«سي آي ايه» ممن طلب منهم مغادرة بعض الدول، مثل لبنان، قبل صباح يوم غد الخميس.
وقال المسؤول الإعلامي لشؤون الشرق الأوسط في البنتاغون بيل سبيكس لـ«السفير» إن «مهمتنا في وزارة الدفاع تزويد الرئيس بخيارات، ونحن جاهزون تماماً لتنفيذ أي إجراءات يقررها». ونقلت محطة «أن بي سي» الأميركية عن مسؤولين عسكريين أميركيين ترجيحهم أن تنطلق هذه الهجمات غداً، وقد تستمر لثلاثة أيام وربما إلى بداية الأسبوع المقبل، وهو ما يتماهى مع تقرير لشبكة «سي ان ان».
في المقابل، انتقل الجيش السوري في الساعات الأربع والعشرين الماضية، من وضعية عسكرية إلى وضعية مختلفة ميدانياً. التموضع العسكري للألوية والفرق العسكرية، وخاصة في دمشق ومحيطها، صار متصلاً باحتمالات مواجهة عدوان عسكري خارجي متدحرج، من دون الإخلال بتموضع بعض الفرق والألوية في مناطق تشهد مواجهات عسكرية في مناطق حساسة، وخاصة في محيط دمشق وريفها، كما في حلب.
واللافت للانتباه، في الساعات الأخيرة، أن الجيش السوري، وغداة إنهاء الأمم المتحدة مهمة للخبراء الدوليين لم تستغرق سوى يوم واحد، في الغوطة الشرقية، للتأكد من استخدام السلاح الكيميائي، قرر اعتباراً من صباح أمس، استئناف عملية «درع المدينة»، التي كانت قد توقفت عملياً منذ صباح يوم الأربعاء الماضي، أي بعد ساعات من بدئها، بسبب إثارة قضية استخدام السلاح الكيميائي.
وفيما كانت واشنطن تعلن عن تأجيل اجتماع كان من المقرر عقده اليوم في لاهاي بين ديبلوماسيين أميركيين وروس في إطار التحضير لمؤتمر «جنيف 2»، تعمد وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمره الصحافي، أمس، الإشارة علناً لاستئناف العملية العسكرية التي كانت فرضت انهياراً دراماتيكياً سريعاً للمسلحين، قبل أسبوع، عند مدخل جوبر الاستراتيجي المؤدي الى قلب دمشق، وهو المدخل الذي كان يأمل الامير بندر بن سلطان ونائبه الأمير سلمان بن سلطان أن يكون بوابة «المعركة الكبرى» للمقاتلين الآتين من الأردن عبر درعا، بعد أن تدرّبوا نحو سنتين بإدارة ضباط أميركيين وأردنيين على المعركة التي موّلها السعوديون من ألفها الى يائها.
بإعلان المعلم، وصلت الرسالة السورية الى السعوديين والأميركيين: «المعركة لن تتوقف». عند هذا الحد، صار اجتماع قادة أركان جيوش عشر دول أجنبية وعربية في الأردن، برئاسة رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، بمثابة غرفة عمليات مخصصة لمناقشة سيناريوهات الحرب. طمأن الأميركيون الملك الأردني عبدالله الثاني أن بلاده لن تكون قاعدة لانطلاق الموجات الصاروخية في اتجاه الأراضي السورية. جرى تبادل برقيات ورسائل سريعة مع خلية طوارئ أنشأها الجيش الاسرائيلي في تل أبيب لمواكبة التطورات. وضع الجيش الإسرائيلي على كل «الجبهات»، في حالة استنفار، وفي الوقت ذاته، كان عدد من كبار ضباط الجيش الاسرائيلي يتنقلون في الساعات الأخيرة ذهاباً واياباً بين الجناح الغربي في البيت الأبيض ومقر البنتاغون، في اطار المشاركة في رسم السيناريوهات وتقدير النتائج والاحتمالات.
شمل الاستنفار الجيش الأردني. وصلت برقيات طمأنة للجيش اللبناني عبر الأميركيين بأن «الضربة محدودة ومحددة وسريعة وليس على جدول أعمالنا لا القيام بعملية عسكرية برية ولا بحرية ولا إسقاط النظام السوري. نحن نقوم بردة فعل على فعل محدد»، وهو المضمون نفسه تقريباً الذي أشار إليه، أمس، بيان البيت الأبيض الأميركي.
وُضع الجيش التركي في حالة استنفار، وتم استدعاء طواقم بطاريات «باتريوت» على الأراضي التركية. واللافت للانتباه أن بعض ألوية «الجيش السوري الحر» طلب منها تجميد عملياتها وانتشارها في بعض «المناطق الحساسة» التي يمكن أن تكون على تماس مباشر مع «بنك الأهداف» المحتمل.
صارت العملية العسكرية وفق حسابات وتسريبات الدوائر العسكرية الغربية، بمثابة «تحصيل حاصل» و«وراء ظهر المعارضة السورية»، غير أن النقاشات في دوائر القرار المعنية، في بيروت ودمشق وطهران، تمحورت حول المستجدّ الذي جعل بعض العواصم الغربية وخاصة واشنطن تندفع في اتجاه الضربة الحتمية، بعد تردّد دام أكثر من عامين؟
ــ أولاً، ثمة معطى ميداني مؤثر كان يرتسم في محيط دمشق، لو استكمله الجيش السوري، في الأسبوع الماضي، لكانت كل معادلات «جنيف 2» قد تبدّلت، لمصلحة النظام السوري. وهذه نقطة جوهرية جعلت السعوديين والأتراك يستخدمون كل نفوذهم أميركياً، من أجل وقف الانهيار في صفوف مقاتلي المعارضة السورية، فكان «اتفاق التحقيق» بين الحكومة السورية والأمم المتحدة بعد اتصال وزير الخارجية الأميركي جون كيري ـ المعلم، هدنة وقف النار والتفتيش، ثم تجميد مهمة الخبراء، أمس، بذريعة الخوف «على أمنهم» علناً، ولكن ضمناً صدر قرار أميركي يقضى بسحب المراقبين فوراً «لأننا تأكدنا من استخدام السلاح الكيميائي، ولا حاجة لأي مراقبين بعد الآن» على حد تعبير مصادر ديبلوماسية في جنيف.
ــ ثانياً، بدت حاجة الأميركيين كبيرة لـ«تحقيق إنجاز» ما، يصب في خانة إعادة تدعيم أوراق المعارضة، حتى يُصار إلى تحديد موعد «جنيف 2»، تحت طائلة أنه من دون ذلك «الإنجاز» لن ينعقد المؤتمر وسيُلغى، كما ألغيت قمة الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في بطرسبورغ واجتماع نائبي وزيري الخارجية الروسي والأميركي في لاهاي المقرر اليوم.
ــ ثالثاً، حمل السلطان قابوس رسالة أميركية إلى الإيرانيين، مفادها الاستعداد لمناقشة كل الملفات مع القيادة الإيرانية الجديدة، شرط الأخذ والردّ في الملف السوري. أبرم الزائر الخليجي اتفاقاً مفاجئاً من خارج جدول العقوبات الدولية مع طهران بشأن تسويق النفط والغاز الإيراني عن طريق سلطنة عمان، فضلاً عن تسهيلات أخرى للإيرانيين في مجالات مختلفة. كانت الرسالة الإيرانية واضحة بأننا لن نفاوض على بديل للنظام السوري ولسنا معنيين بتحسين موازين القوى لمصلحة أعداء الرئيس بشار الأسد، وعلى حماة بعض المجموعات التكفيرية المحمية من بعض دول المنطقة (الخليج) أن تعلم «أن هذه النار ستطالهم أيضاً»، على حد تعبير آية الله علي خامنئي.
تزامنت زيارة سلطان عمان قابوس بن سعيد، مع زيارة جيفري فيلتمان الموفد الأممي ـ الأميركي. قال فيلتمان كلاماً واضحاً و«بلا كفوف» مفاده أن شرط انعقاد مؤتمر «جنيف 2» هو عودة التوازن المفقود إلى الميدان العسكري. رد الإيرانيون عليه بشكل سلبي، غير أنه خرج من وزارة الخارجية وهو يشيد أمام فريقه بدور إيران الإقليمي «الايجابي جداً»!
ــ رابعاً، ثمة معطى لا يتوقف عنده كثيرون. ما يحصل في مصر اليوم متصل بما يجري في سوريا مباشرة. أين تكمن العلاقة؟ يجيب ديبلوماسي عربي مقيم في عاصمة دولة كبرى بأن كل عمارة الأممية الإسلامية «الأخوانية» التي راهن عليها الأميركيون من زاوية حفظ أمنهم القومي بعد هجمات 11 أيلول، من تركيا الى مصر، مروراً بتونس وليبيا وغزة وسوريا، قد أصبحت مهددة في ضوء ما يصرون على تسميته «الانقلاب العسكري في مصر»، وبالتالي، تقاطعت الشخصية الوطنية المصرية (المؤسسة العسكرية والائتلاف المدني العريض ضد «الإخوان») مع وجود توجه سعودي لإنهاء حقبة «الإخوان» لأن تثبيتها خاصة في مصر، سيرتب تداعيات على دول الخليج، لن تكون السعودية بمنأى عنها.
ــ خامساً، أصيب «حزب العدالة والتنمية» في تركيا وزعيمه رجب طيب أردوغان بصدمة كبيرة. الراعي السياسي الإقليمي للتجربة «الإخوانية» في مصر يُهزم والراعي العسكري الإقليمي للمعارضة السورية، وتحديداً «الإخوان»، يهزم في الميدان السوري.
كان لا بد من استنقاذ الوضع في المنطقة وليس في سوريا وحسب. ذهب بندر إلى موسكو والتقى سيد الكرملين، واعتبر أنه قام بـ«خرق ما» في الملفين المصري والسوري، رافضاً الخوض في تفاصيله أمام موفدي الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط إلى جدة. كانت العين مفتوحة على سوريا وإمكان تعويض الخسارة المصرية لدى الأميركيين والأتراك بعدما نجح السعوديون في تصويب البنية القيادية للمعارضة لمصلحتهم، وعلى حساب «الإخوان» والقطريين والأتراك.
واللافت للانتباه، أنه قبيل بدء المؤتمر الصحافي لوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، أمس الأول، تلقى اتصالاً من الأمير بندر، لم يكشف عن مضمونه، الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة ربطاً بالموقف الذي أعلنه الوزير الروسي رداً على أسئلة الصحافيين بأن روسيا «لا تعتزم الدخول في أي حرب مع أي كان» من أجل سوريا.
لم يفهم كثيرون الموقف الروسي، إلا أنه عبارة عن «إدارة وجه» روسية الى الجهة الأخرى بحيث يمكن للأميركيين تنفيذ الضربة العسكرية العتيدة، بأمل أن تقود جميع أطراف الصراع في سوريا إلى طاولة «جنيف 2»، على قاعدة قناعتهم بأن أية تسوية سيكون الرئيس بشار الأسد من ضمنها في بدايتها، ولكنه لن يكون جزءاً منها في نهايتها، وهي «العبارة السحرية» التي كان يرددها الخبراء الأميركيون في جنيف مؤخراً، أمام نظرائهم الروس.
اكتفى وليد المعلم، أمس، بعبارات سريعة في معرض توصيفه للموقف الروسي. ما لم يقله ردّده ديبلوماسيون سوريون حضروا المؤتمر الصحافي ومفاده أن «الروس قاموا بواجباتهم، ليس فقط التزاماً بالعقود العسكرية، بل وأيضاً في عدم سحب أي خبير أو ضابط روسي يتولى تشغيل أنظمة صاروخية جوية ومنظومات اتصالات وغيرها من المهام الحساسة التي تقع على عاتقهم وحدهم، وبالتالي لن يسمحوا لا بهزيمتها ولا بانكشافها ولننتظر مجريات الساعات المقبلة، قبل أن نرتجل من هنا أو هناك».
وقال أحد الخبراء إن عبارة لافروف تحمل في طياتها أكثر من رسالة للأميركيين، لعل أخطرها أن «الأميركيين هُزموا في العراق وأفغانستان وفي حرب تموز العام 2006 في لبنان من دون حاجة خصومهم لأية مساندة روسية، ونعتقد أن الأمر نفسه، سيكون حليف أية مغامرة عسكرية يمكن أن يقدموا عليها في سوريا».
ــ سادساً، لا يجوز إغفال المعطى الإسرائيلي. طلبت تل أبيب من الأميركيين تدمير منظومات الأسلحة الكيميائية عند النظام والمعارضة على حد سواء، وبلغ الأمر بهم حدّ تلويحهم بأن يأخذوا هذه العملية على عاتقهم إذا تردد الأميركيون.. مهما كانت تداعياتها سلبية على صورة المعارضة السورية.
ــ سابعاً، هل لاحظ أحد ان شهر آب قد انقضى ولم يف الاوروبيون بوعدهم بتسليح المعارضة السورية؟
ــ ثامناً، كيف سيتصرف النظام السوري أولاً، وماذا سيكون موقف «حزب الله» وإيران في حال حصول الضربة العسكرية؟
يكتفي أهل النظام السوري بالقول «لكل فعل ردة فعل.. وتبعاً لحجم الضربة ونتائجها، سيكون هناك رد». أما «حزب الله» الذي يضع يده على الزناد، منذ أكثر من أربع وعشرين ساعة، فلا يريد أن يكشف أوراقه.
هل ثمة فرصة لوقف العملية العسكرية والذهاب إلى «جنيف 2» تبعاً لموازين القوى الحالية؟
لننتظر نتائج الرسائل المتبادلة بين أكثر من عاصمة وجهة إقليمية ودولية.. حتى يبنى على الشيء مقتضاه.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد